تقرير / سيناريو «الأبواب المقفلة» صار أكثر حظاً

سلام إلى «السرايا» وحكومته إلى تصريف الأعمال

تصغير
تكبير
... يقصد الرئيس المكلف تمام سلام قصر بعبدا. يعقد اجتماعاً مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان. ينضمّ اليهما رئيس البرلمان نبيه بري ثم ينصرف في وقت لاحق. يخرج المدير العام للرئاسة الى قاعة الصحافة، يتلو ثلاثة مراسيم، واحد عن قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ثانٍ عن تكليف النائب تمام سلام تأليف الحكومة، وثالث عن تشكيل الحكومة الجديدة من 24 وزيراً.

... يخرج زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون متجهماً ليعلن من الرابية استقالة وزراء «تكتل التغيير والاصلاح». يصدر عن «حزب الله» عبر وحدته الاعلامية بيان تضامن مع العماد عون فيستقيل وزيراه. يجاري الرئيس نبيه بري «حزب الله» عبر استقالة وزيري حركة «امل». ينضم زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الى القافلة بسحب وزيريه.


يدخل سلام الى السرايا وتذهب حكومته سريعاً الى «تصريف الاعمال»... حكومة بلا بيان وزاري ولا ثقة من البرلمان، وسط بيانات معدة سلفاً للطعن بميثاقيتها. فالمكون المسيحي الوازن غائب عنها مع عزوف «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع عن المشاركة فيها، واستقالة المكونين الشيعي والدرزي.

انه السيناريو «الاوفر حظاً» الذي سيصبح حقيقة سياسية في بيروت، في اي لحظة، مع دخول مساعي تشكيل الحكومة الشهر الحادي عشر، وتلاشي المناورات او المبادرات وبالونات الاختبار والوساطات التي كانت «اشتعلت» اخيراً من دون، اما القدرة او الرغبة، على جعل الحكومة الجامعة، التي اتفق عليها، اسماً على مسمى نتيجة «حق النقض» الذي مارسه العماد عون في وجه التفاهم بين المكونات الاخرى، لا سيما حول الحقائب، واعلان «حزب الله» فشله في اقناعه بالتخلي عن شروطه، واضطراره تالياً الى التضامن معه.

ومع بلوغ الوساطات، التي اضطلع بها على نحو خاص، جنبلاط عبر «مكوكية» وزيره وائل ابو فاعور، الطريق المسدود. لم يعد امام سليمان وسلام سوى الذهاب الى تشكيل «حكومة جامعة» وفق التوازنات التي كان اتُفق عليها، وجعلها امراً واقعاً سياسياً، رغم المصير المشؤوم الذي ينتظرها، خصوصاً ان خيار الحكومة الحيادية من غير الحزبيين كان سقط نتيجة رفضها المطلق من «8 آذار» وفي مقدمهم «حزب الله»، ولان سليمان، الذي تنتهي ولايته بعد نحو اربعة اشهر من الآن، مصرّ على تشكيل حكومة جديدة تحسباً لتعذر اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.

وكشفت اوساط بارزة في قوى «8 آذار» لـ «الراي» عن ان «تشكيل حكومة امر واقع سياسية بات امراً محسوماً بعدما فشل حزب الله في إقناع حليفه العماد عون بتعديل موقفه وخفض مستوى شروطه، على النحو الذي يضمن قيام حكومة جامعة، وتالياً فان الحزب قرر التضامن مع عون والوقوف الى جانبه، الامر الذي يعني ان ما من خيار امام سليمان وسلام الا اعلان حكومة لا تستثني عون بطبيعة الحال، لكنها لن تلبي شروطه».

ورأت هذه الاوساط ان اعلان حكومة امر واقع سياسي يعني تلقائياً كرّ سبحة الاستقالات منها، انطلاقاً من الاتجاه الحاسم لـ «التيار الوطني الحر» للاعلان عن استقالة وزرائه، ومن ثم تضامُن «حزب الله» معه، وتضامن بري مع «حزب الله» و... هكذا دواليك، الامر الذي لن يتيح للحكومة، لا صوغ بيان وزاري ولا المثول امام البرلمان، وسط اتجاه مسبق لاعتبارها غير ميثاقية.

وإزاء هذه المحصلة فان الدوائر المراقبة في بيروت «تتحرى» عن الملابسات الفعلية لهذا «السيناريو الاسوأ» الذي انتهت اليه مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، وسط تركيز على حقيقة موقف «حزب الله» الذي يخضع لقراءات متناقضة تراوح بين القول ان الحزب الذي كان اول مَن اطلق اشارات توحي ان من مصلحته تشكيل حكومة جديدة، اصطدم فعلاً بتشدد العماد عون، وتالياً فانه مضطر للتضامن معه كـ «حليف استراتيجي» لا يمكن إدارة الظهر له، وبين الاعتقاد ان «حزب الله» قاد مناورة محسوبة عبر الايحاء بالايجابية لإمرار بعض المحطات، كزيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت وانعقاد «جنيف - 2»، قبل ان يعود الى «التلطي» خلف العماد عون وتشدُّده لدفع الامور نحو «الخطة - أ» بفرض المزيد من التلاشي في مؤسسات الحكم عشية انتخابات رئاسية من المرجح ان لا تتم.

اوساط واسعة الاطلاع في بيروت تجزم لـ «الراي» ان «حزب الله» الذي يريد الجلوس على طاولة واحدة مع التيار السني الابرز في البلاد، اي «تيار المستقبل» بزعامة الرئيس سعد الحريري، في لحظة تعرُّض بيئته لـ «حرب استنزاف» من التيارات السنية «التكفيرية»، قراره الفعلي هو تشكيل حكومة تتحمل مسؤولياتها في حماية الامن وادارة الشؤون العامة، لان من شأن ذلك ان يريحه ويحمي ظهره في معركته الرئيسية، الوجودية والعقائدية، في سورية. ولفتت الاوساط عينها الى ان «حزب الله» قدّم ما في وسعه لتسهيل تشكيل الحكومة، الا انه ليس في وارد الافتراق عن العماد عون، كحليف مسيحي أمّن له التغطية في المعارك التي يخوضها منذ تفاهم العام 2006، وتالياً سيكون مضطراً لترك الحكومة والبقاء الى جانب عون.

غير ان اوساطاً معنية في «14 آذار» قالت لـ «الراي» ان هذا الفريق، لا سيما «تيار المستقبل» الذي «ردّ التحية بمثلها» عندما ابدى «حزب الله» مرونة في موقفه من تشكيل الحكومة، تعاطى مع ايجابية الحزب على قاعدتين: اذا كانت جدية تكون حظيت منا بايجابية مماثلة، واذا كانت مناورة فتكون انكشفت بعدما أبدينا تجاوباً.

وبدت هذه الاوساط اكثر ميلاً، في ضوء الوصول الى طريق مسدود، الى القول ان ما اظهره «حزب الله» من مرونة مفاجئة في الدفع نحو الاتفاق على الحكومة الجديدة، كان اقرب الى المناورة.

ومهما يكن من امر فان «ما كُتب قد كتب»، اذ تتجه الانظار الى لحظة اعلان حكومة الامر الواقع السياسي، التي قد لا تستثني الذين استثنوا انفسهم كـ «القوات اللبنانية»، وما ستشتمل عليه من ناحية توزيع الحقائب، لا سيما تلك التي ستكون من نصيب تكتل عون.

ولم تستبعد مصادر مهتمة الاخذ في الاعتبار في «الطبخة الحكومية» تخصيص عون بحصة وازنة لتصعيب قرار الاستقالة عليه، او لتطويل مدة حسم خياره افساحاً في المجال امام الاتصالات في محاولة لضمان انطلاق الحكومة الجديدة بنصاب سياسي - طائفي كافٍ، يمكّنها من ملاقاة الاستحقاق الرئاسي، إما بالتحضير لاجراء الانتخابات، او بإدارة الصلاحيات الرئاسية في حال تعذر انتخاب رئيس جديد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي