في حياتي أربع أمهات لكل منهن فضل ومنّة، أولاهما أمي التي ظلت تعاني من حملي تسعة أشهر في بطنها، وبعد ولادتي كانت تخاف من نسمات الهواء أن تؤذيني، ربتني على الخلق الكريم والاستقامة، وفضلها علي عظيم لن أتمكن من رد ولو جزء بسيط من معروفها، أطال الله عمرها على طاعته وأعانني على برّها والإحسان إليها ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
وأمي الثانية الكويت التي ولدت فيها وترعرت على ترابها وأكلت من خيراتها، وتنفست عبير الحرية على أرضها، أعطتنا الكثير وقدمنا لها القليل، دافعنا عنها زمن احتلالها، وكنا ممن صمد على أرضها وأعلن العصيان المدني في وجه غزاتها، أتألم لها اليوم وأنا أراها تتأخر ولا تتقدم، تتعطل مشاريعها، يتمزق شملها، صراع مستمر بين المعارضة والحكومة حتى أثر ذلك في نمائها وتطورها.
أتألم وأنا أرى بعض أبنائها يأكل خيرها ويجحدها، يحاول امتصاص آخر قطرة حليب من ضرعها، ويقتطع لحمها لينمو في ذاته ولو تسبب ذلك في هلاكها وزوالها.
الكويت إن ضاعت فلن نجد وطنا آخر يحتوينا ويلم شعثنا، فهل من ساع لجمع كلمتها وتوحيد صفها؟
وأما أمي الثالثة فهي جمعية الاصلاح الاجتماعي التي تربيت منذ الصغر على يد خيرة رجالها، وتعلمت فيها الإيثار والتضحية، وأن تعطي قبل أن تأخذ، وأن تفكر في الآخرين قبل نفسك، تعلمنا فيها الفكر الوسطي المعتدل، أرشدنا المشايخ والمربون الكرام على الولاء للوطن وللأمة الإسلامية، كنا نرى رموز العمل الدعوي والخيري ونتمنى أن نصل إلى ما وصلوا إليه كالعم عبدالله علي المطوع رحمه الله والشيخ أحمد القطان والدكتور جاسم المهلهل الياسين وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم. ويؤلمنا أن نرى فجور البعض في خصومته معها، فيثير الشبهات، ويلقي الاتهامات دون دليل أو برهان، ويستعدي البلد لحربه وتجميد أرصدته، ويطالب بحله، وكأننا في بلد قمعي ليس فيه قانون.
نحمد الله أن أهل الكويت عاصروا الجمعية منذ تأسيسها، ويعرفون رجالها، ويتلمسون إنجازاتها وعطائها على المستوى المحلي والعربي والإسلامي، حتى صارت من مفاخر هذا البلد بفضل من الله وتوفيقه، لذلك نقول لمن فجر في خصومته معها إنكم لن تستطيعوا أن تغطوا شمس جمعية الإصلاح بغربال.
وأمي الرابعة هي من سالت دماء خيرة أبنائها في رابعة، هي أم الدنيا فكيف لا نكون من أبنائها، هي أم الأمة الإسلامية بأسرها، هي الظلال الوارفة هي الحضن الدافئ هي الحصن المنيع أمام كل عدو متربص يريد تمزيق الأمة وتشتيت شملها، نبكي عليها اليوم بدل الدموع دما، ونكتب عنها بدموعنا لا بأقلامنا، ونحن نرى بعض أبنائها كيف جعلها مستباحة لأعدائها، مرتمية في أحضان العابثين بأمنها واستقرارها واستقلالها.
وبدلا من أن يبرّها ويكرمها ويصونها، ويُحسن إلى أشقائه فيها، نراه يستبيح دماءهم، ويبني قصره من أشلائهم وجماجمهم.
ستظل قلوبنا تتفطر وعيوننا تدمع، حتى يمن الله تعالى على مصر فيخلصها من ولدها العاق ويبدلها بما هو خير منه ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ) اللهم عجل في ذلك يا رب.
twitter :@abdulaziz2002