الرأي اليوم / خلافات خليجية ... سرية؟

تصغير
تكبير
هل هناك خلافات بين بعض دول الخليج؟ وهل يجوز أن تبقى هذه الخلافات سرية؟

الجواب ببساطة، نعم هناك خلافات... ولا يجوز أن تبقى سرية.


نقول ذلك لأن أزمة صامتة تدور بين بعض دول الخليج منذ أشهر، يتم بحثها على هامش كل ملتقى دولي وكل ملتقى عربي أو خليجي وفي الإطار الثنائي. تذهب الوفود وتعود. تطير الرسائل وتحظى بإجابات. يجتمع المستشارون والوزراء ويضعون نقاطاً للحل. يتفق القادة أنفسهم على أهم النقاط... كل ذلك يفترض أن يعيشه المواطن الخليجي ويشعر به إنما من دون ان يتلمسه أو يتحدث فيه أو يعترف بوجوده. حتى عندما تعيد التطورات الازمة إلى مواقعها الأولى المطلوب من الجميع ان يعيشوا حالة إنكار.

حالة الانكار الحقيقية التي نعيشها في دول الخليج هي أن بعضنا ما زال يرفض التصديق بأن ثورة الإعلام تفرض مقاربة الحقائق بطريقة أخرى وتحديدا بين الحكومات والمواطنين. حالة الإنكار تكمن عند السلطة في بعض دول الخليج التي ما زالت تعتبر أن ما تأتي به الوكالات الإعلامية الرسمية هو فقط ما يجب أن يعرفه المواطن الخليجي. حالة الانكار تكمن في بذل وزراء إعلام دول خليجية كل جهدهم لاقناع المواطن الذي يجول العالم برمته من خلال نقرة زر في «لابتوبه» أو «آيباده» أو «موبايله» بان «المصلحة الوطنية» تقتضي تبني الرواية الرسمية وأن ما يقرأونه يتضمن إساءات أو مغالطات.

بالطبع، ليس كل ما يأتي في وسائل التواصل الاجتماعي صحيحاً، ومن المؤكد أن بعض الاخبار مفبركة ومسيئة، وبعض التغريدات تختلط فيها الآراء الشخصية بالوقائع، إنما ثورة الإعلام والمعلومات ليست «العدو» لحكومات الخليج، وان اعتبرها بعضهم كذلك وجيش كل قدراته لمحاربته فهو الخاسر حكما.

نعود إلى الواقع. هناك أزمة بين بعض دول الخليج وهناك خلافات وهذه الخلافات كفيلة إن استمرت بتفجير مجلس التعاون الخليجي. كلام ليس للتهويل أو المبالغة إنما هو شبه حرفي تداوله مسؤولون في دول شقيقة. وهنا لابد من التفكير الهادئ بصوت عال.

أولا، إذا تمعنا في ما يحكى عنه من خلافات فإننا نجدها سياسية بامتياز، بمعنى أن دولة ما تعترض على موقف دولة ثانية من تطورات حصلت في دولة ثالثة وتريدها أن تكيف مواقفها كي تتطابق معها، أو أن دولة ترفض السير في ركاب حملة عامة ضد تيار بعينه أو جماعة معينة. أو ان دولة تعترض على حدة الموقف من ايران أو غيرها، وأخرى لا تستسيغ فكرة الاندماج... الأسباب كثيرة لكن طابعها العام سياسي وليس تنمويا أو اقتصادياً.

ثانيا، إن غياب أو تأخر الخطوات التقاربية المرتكزة على أسس اقتصادية بين دول الخليج هو الذي انتج فراغا ملأته السياسة. المشاريع التقاربية الاقتصادية هي الثابت، أما السياسة فمتحولة وغير ثابتة ما يعني ان سفينة المجلس يمكن أن يتقاذفها تناقض المواقف في بحر متلاطم الأمواج.

ثالثا، وبكل وضوح. نلحظ اصراراً على حل الخلافات بين بعض الدول بالطريقة العشائرية السابقة. اي ان التمنيات بالحلول تبقى رهن الرؤية الخاصة لهذا الحكم أو ذاك، بينما الحلول الحقيقية التي نطمح إليها يجب أن تبنى على قواعد وأسس مؤسساتية لا على الأمزجة والمشاعر والعواطف... وعلينا الاعتراف أننا في منطقة يخضع فيها القرار السياسي غالبا لموقف شخص أو رؤيته.

رابعا، وبكثير من الصراحة النابعة من محبة أحد أفراد أهل البيت الخليجي لهذا البيت، نقول إن القاسم المشترك بين المواقف المتناقضة هو صدورها من دول لم تتطور تجربة المشاركة الشعبية في السلطة فيها بالشكل المأمول. طبعا لها انظمتها الخاصة وعلاقاتها الجيدة بين الحاكم والمحكوم وتتمتع باستقرار اجتماعي وأمني وسياسي، إنما للمشاركة الشعبية في السلطة من خلال هيئات منتخبة لها دور كبير في تنظيم الخلافات، فهذه الهيئات بإمكانها أن تخلق قواسم مشتركة مع نظيرتها في الدول الأخرى موضع الخلاف، وهذه القواسم تقرب المواقف خصوصا إذا استندت على مشاريع اقتصادية تشاركية بين الدول.

خامسا، تبدو الكويت وأميرها في قلب صورة هذه الحلول والوساطات، وهذا واضح من حركة الموفدين والمبعوثين وهذا يعود إلى جملة عوامل أهمها أن تجربة الحكم في الكويت لها خاصية معينة، وأن في الكويت تناغماً كبيراً بين الحاكم وبين المؤسسات المنتخبة الممثلة للشعب، وان كل الاتفاقات الخليجية أو التقاربية تدرسها الهيئات الكويتية المنتخبة كي تكون الموافقة عليها خياراً حراً لا أمراً مفروضاً أو مرفوضاً من النظام.

سادسا، ومن باب الأحلام والتمنيات، نكرر الدعوة لحماية مسيرة التعاون الخليجي من خلال برلمان خليجي أسوة بالبرلمان الأوروبي. التباينات السياسية بين الدول أمر يجب أن نقبله ولا يجوز أن تكون عنصر تفجير للمجلس لأن المواقف متناقضة في هذه المرحلة أو تلك.

أمد الله أميرنا الشيخ صباح الأحمد بالقوة دائماً، وأعانه على المهمة الملقاة على عاتقه في الفترة المقبلة بعدما نجح في إطفاء الحرائق في القمة الخليجية الأخيرة التي استضافتها الكويت. وأمد أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي بالرؤية المطلوبة للعبور من مقاربة الأزمات بالحلول العشائرية و«كلمة راس» إلى الحلول المؤسساتية المرتكزة على أنظمة وتشريعات.

لسنا مثاليين على الإطلاق، وبعض مشاكلنا في الكويت قد يكون «كابوسا» لا يريد الأشقاء رؤيته، لكن بقاء مجلس التعاون الخليجي أسيراً للسياسة في دول لم تكتمل تجاربها الديموقراطية ولا تحمي المؤسسات سياساتها، يعني أن الأزمات لن تتوقف ولن تتراجع.

هناك خلافات، ولتكن معلنة بنية إيجاد الحلول لها... كي لا تبقى «سرية» بالشكل الحالي الذي يسمح لألف طرف بالدخول على خطوط التأزيم والتعقيد.

جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي