الرأي اليوم / زعيم الإنسانية ... إزالة الغم لا «حفلة الدم»!

تصغير
تكبير
... وفي الموضوع السوري أيضا، ترتفع الكويت في عيون أبنائها والآخرين إلى ما فوق حدود الفخر. ها هو النوخذة الخبير الشيخ صباح الأحمد يقود سفينة الخير في أصعب الأجواء «المناخية» السياسية والأمنية والعسكرية، بخبرة الإبحار التي امتدت لاكثر من نصف قرن وسط الانواء والاعاصير، وحكمة المجرب الذي يعرف كيف يرصد الريح ويتقيها ويحول المسار الى الموانئ الآمنة.

سورية اليوم برميل البارود الذي يهدد فعليا بتفجير المنطقة برمتها. سورية اليوم لم تعد مكانا خطرا على السوريين وحدهم بل هي المكان الأخطر بالنسبة للعرب وللعالم. سورية اليوم مختبر لتخصيب الفتن بأقذر أنواعها تمهيداً لتصديرها الى المحيط القريب والبعيد. ألم تصبح الحرب هناك حربا مقدسة بين «جهاديين» من مختلف الطوائف يريدون إعادة المسلمين 1400 سنة الى الوراء؟ ألم يختلط مطلب إسقاط النظام بحماية «اهل البيت» او الدفاع عن الصحابة؟ الا يموت السوري عشرات المرات في اليوم تارة بالكيماوي وببراميل النظام وقذائفه ورصاص أنصاره من لبنان إلى العراق فإيران، وطورا بحروب «داعش والغبراء» بين جناحي «القاعدة» الممثلين بـ«داعش» و«النصرة» بمشاركة الجبهة الإسلامية وعلى أطراف ذلك كله ما بقي من «جيش حر» وألوية مناطقية خاصة؟ ألم تصبح سورية ساحة لكل دول المنطقة والعالم لإدخال السلاح والبشر للتذابح هناك باسم التخلص من النظام او باسم الجهاد؟ ألم ترسل دول خليجية وأوروبية المال والسلاح والمقاتلين لمحاربة النظام في سورية كما فعلت إيران و«حزب الله» والعراق للدفاع عن النظام في سورية؟


من بدأ، ومن هو المسؤول، ومن فتح الباب لذلك كله، ومن خطط كي يبقى في موقعه، ومن قال إما أنا أو الطوفان، ومن اخترع نظرية تفجير المنطقة ان تغيرت السلطة... أسئلة كثيرة لا تلغي صورة الواقع الأسود الذي سينتشر لهيبه في المنطقة، بل ان الاجوبة المتوقعة تؤكد غباء الطرف الذي يدعي انه استدرج الى ما استدرج اليه لانه في الواقع حقق الاهداف التي أرادها من خطط لهذا الواقع. يستوي في ذلك من شهر السلاح من منطلق طائفي ومن زوده بالسلاح من منطلق استخباراتي ومن دفع المال وأرسل البشر كي تتحول سورية إلى قندهار، بينما كان صوت الاطفال والنساء والرجال والمطربين الذين أنشدوا للثورة في بداياتها اقوى داخليا وعربيا ودوليا من كل أصوات المدافع والأسلحة، وكان للتظاهرات الوطنية وقع اقوى من وقع «الإمارات الإسلامية» التي تشكلت في مختلف المناطق بمحاكمها وفتاواها وأمرائها وقضاتها.

عود الى بدء، لسنا في وارد تشخيص الأوضاع في سورية او البكاء على اطلال دولة تتدمر يوماً بعد يوم. نتحدث هنا عن دور الكويت بين مؤتمرين للمانحين خلال عام. فقد قدمت دولتنا مئات ملايين الدولارات لإغاثة الشعب السوري مباشرة وتوجهت اليه لمداواته ورفع معاناته، واستطاعت ان تضغط معنويا على الدول الاخرى لزيادة حجم تقديماتها الى مستويات غير مسبوقة بشهادة الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي اطلق على صاحب السمو لقب «زعيم الإنسانية» واعتبر الكويت الدولة الاكثر سخاء في العالم تجاه الشعب السوري والأكثر تأثيراً لدى الدول الأخرى في هذا المجال حيث جمع المؤتمران نحو 4 مليارات دولار.

ما يجعلني أفتخر بقيادة النوخذة لسفينة المساعدات لسورية، انه انطلق من الانحياز الى السوريين كشعب بمختلف اطيافهم ومذاهبهم ومناطقهم، والى سورية كدولة المطلوب ان تستعيد عافيتها وقدراتها بحلول سلمية لأزمة هي الأفظع في مطلع القرن الواحد والعشرين.

هنا الصورة واضحة امام ما يجري، فالكويت اعربت رسميا عن موقفها من القضية السورية لجهة ضرورة الولوج الى مستقبل سياسي مختلف بسلطة مختلفة، لكنها اكدت انها لن تشترك في «حفلة الدم» المجانية المجنونة التي اشترك فيها الجميع بدءاً من النظام وانتهاء بدول قريبة وبعيدة.

الكويت كدولة لم ترسل إلا بشائر الخير للمنكوبين السوريين. اعتبرت ان السوري يحتاج الى الامان في منزله ومنطقته وان تعذر ذلك فهو يحتاج الى الايواء في منطقة آمنة مع كل المستلزمات المطلوبة من طبابة ودراسة وغذاء وكساء وحياة كريمة. الكويت كدولة أرسلت كل تبرع الى مستحقيه ولم ترسل، ولن ترسل، الشر إلى أحد لأنها لا تعرفه.

الكويت كدولة رفضت الخطاب المذهبي والطائفي وتدخل دول وأطراف اقليمية في النزاع السوري، لكن رفضها هذا ليس موجها فقط الى ايران وحزب الله والعراق بل الى كل دولة شاركت في تأجيج الصراع بحسن نية او بنية مشكوك فيها، واعتبرت ان الاصل هو دعم التواقين الى التغيير من خلال الحلول السلمية وعبر مصداقية دولية لا مصداقية «الأفلام» الأميركية المتناغمة مع المصالح الروسية.

الكويت كدولة وهي تلتزم سياسة نوخذتها في الموضوع السوري انما تحاصر امتدادات الحريق الى مناطق اخرى، فاللاجئون السوريون في لبنان صاروا تقريبا ربع عدد سكان لبنان، واللاجئون في الاردن يتزايدون يوميا بالآلاف في دولة مقدراتها ضعيفة. عدا عن اللاجئين في تركيا والعراق وغيرهما من دول عربية واوروبية. ان دعم السلطة اللبنانية او الاردنية لمساعدة اللاجئين انما هو دعم لاستقرار الدولتين ولأمن الدولتين، فمئات آلاف النازحين وسط هذا الاحباط الكبير المولد للعذابات والاحقاد واليأس يخلق الكثير من المشاكل الامنية والاجتماعية والاقتصادية ناهيك عن المشكلة الإنسانية الأم، والكويت لا تريد لـ«المختبر» السوري الحالي أن ينجح في تصدير الأزمات.

واخيراً فإن الكويت كدولة، أظهرت عمق التناغم بين هيئاتها الشعبية وبين أميرها، فعندما طلب صاحب السمو «فزعة» أهل الخير لاغاثة السوريين تفاعل الجميع معه، وسمت أخلاق وقيم المساعدة على أي اختلافات وتباينات، واستجابت «جمعية الاصلاح» إلى دعوة الأمير بتبرع سخي اضافة الى الجمعيات والهيئات الاخرى، لتظهر الكويت مرة أخرى أن رسالتها اكبر من أي تباين سياسي بين مكوناتها، ولتظهر «الإصلاح» وغيرها أن تجربتنا الانسانية والسياسية في الكويت تختلف عن كل تجارب المنطقة، وأن الجانب الدعوي لديها أكبر وأسمى من السياسة وحروبها.

مرة أخرى... الكويت بعيون سورية أجمل.

جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي