في حياتنا حفر كثيرة، منها ما نتعثر به ولكن لا نتأثر، ومنها ما نُصاب معه بإصابات خفيفة، ومنها ما يُصيبنا بكسور، ومنها ما قد يكون سببا في أن يلقى المرء حتفه.
أبسط الحفر هي تلك التي نراها في شوارعنا والتي غالبا ما يكون سببها إهمال وزارة الأشغال، وقد فضحت موجة الأمطار الأخيرة الفساد المستشري والتلاعب في طبقات الاسفلت التي تغطي الشوارع، وكم أدى الصلبوخ المتطاير من الإسفلت المغشوش إلى إتلاف الزجاج الأمامي للسيارات، حتى شك الناس بأن هناك صفقة بين الأشغال وبين وكلاء زجاج السيارات.
هناك حفر أخطر قليلا وهي حفر المناهيل المنتشرة في الشوارع والتي سرقت أغطيتها، والمسؤولية هنا تقع على الإهمال الحكومي في سرعة إيجاد أغطية بديلة - ربما ينتظرون سقوط آدمي أو سيارة للتحرك - والمحزن أن جريمة السرقة لهذه الأغطية مستمرة دون أن توجد الدولة أي رادع حقيقي لمرتكبيها.
هناك حفر من نوع آخر، وخطورتها أعظم لأنها لا تجرح جلد الإنسان أو تكسر عظمه وإنما تجرح إيمانه وتكسر دينه، ومنها الوقوع في مصيدة الربا، وهي حفرة قد يدخلها الإنسان مختارا، لكن قد يصعب عليه الخروج منها وخاصة مع الفوائد المتغيرة وتراكمها، فتجد المرابي مع مرور الزمن يغوص أكثر وكأنه في بحيرة من الرمال المتحركة.
ومن أخطر الحفر التي تمر على الرجال هي تلك التي تُلقي له النساء حبالها لتستدرجه إلى مصيدتها، وكم من إنسان خسر أهله وماله ودينه والسبب شيطانة إنسية، وصدق رسول الله : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ).
و العكس كذلك عندما يستدرج ذئب بشري ارتدى ثوب حمل وديع وأغرى فتاة مغفلة بمعسول الكلام، حتى ظنت أنه فارس أحلامها، ثم لا تكتشف للأسف أنه أسوأ كابوس مر في حياتها إلا عندما يُفقدها المجرم أعز ما تملك.
وفي عالم السياسة حفر أوقعت الناس في خلافات واضطرابات وصراعات كانت البلاد في غنى عنها، وبعضها مزق المجتمع وأوجد الخلافات حتى بين أقطاب المعارضة والذين وصل الحال بهم إلى الاختلاف بين المقاطعة والنزول وربما شكك كل طرف في نوايا الآخر.
ومن الحفر التي تقتنص الحكومة فيها بعض معارضيها لتدمر مستقبلهم السياسي، وتجعلهم أراجوزات بين يديها المنصب الوزاري والجلوس في المقاعد الأمامية في قاعة عبدالله السالم، ولو تتبعنا أشهرا وربما أول من لوّح باستجواب رئيس الوزراء السابق، كيف كان وإلى ماذا صار بعد تقلده المنصب الوزاري لعرفنا خطورة الحفرة الوزارية.
ومن الحفر ما ينصبه لك الأعداء والخصوم والمنافسون، سياسيا أو ماليا أو اجتماعيا، وهي تحتاج من الإنسان لأخذ الحذر والحيطة، وكما قال عمر بن الخطاب لست بالخِّب ولا الخب يخدعني، ومع ذلك قد يقع الإنسان، ولكن ليعلم صاحب المكيدة أنه من حفر حفرة لأخيه وقع فيها (ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله ).
آخر حفرة لا مفر لي ولا لكم من دخولها، هي حفرة سندخلها رغما عن أنوفنا ودون إرادتنا، نعلم أننا مقبلون عليها لكننا لا نعلم متى الموعد المحتوم.
الشيء الوحيد الذي نملكه هو أننا مخيرون بين أن نجعل تلك الحفرة روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وهذا الأمر ستحدده أنت بنفسك ولن يقوم به أحد غيرك، فكل نفس بما كسبت رهينة، فهل أنت مستعد؟