قامت الدنيا ولم تقعد... من ألبانيا، الى كل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، الى غيرها من الدول التي اشتمّت رائحة نية المجتمع الدولي دفن مخزون بشار الأسد الكيماوي في أراضيها او التخلص منه في منشآتها.
هتَفَ المتظاهرون أمام عدسات الكاميرات: «رئيسنا سيسقط وحكوماتنا ستسقط وأحزابنا السياسية ستسقط إن تم تمرير هذا المشروع». وعندما قيل لهم ان عملية إعدام الكيماوي ستتم بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التابعة للأمم المتحدة ولن تؤثر في البشر، أسهب المتظاهرون في الحديث عن مضار الكيماوي على النبات والشجر والهواء والبيئة، ثم شكلوا سلسلة بشرية في الموقع الذي يفترض ان يتم فيه جلب كيماوي الأسد كي لا يمر المشروع إلا على أجسادهم.
توقفت الخطة الاولى، لكن المشروع يجب ان يمر. هكذا تقتضي المسرحية التي أخرجها الروسي ولعب دور البطولة الخائبة فيها الأميركي وتولى الإيراني فيها إدارة مشهد تحريك الدمية الدموية. الستارة لم تُسدل هنا ولا يجب ان تُسدل، وإلا فما معنى استنفار الأساطيل واجتماعات الكونغرس والحلّ الذي قضى بحفظ ماء وجه باراك ابن حسين اوباما. النهاية تقتضي ان يقف الرئيس ويقول انه حقق بالديبلوماسية ما قد لا يحققه العمل العسكري مستمتعاً بتلحين صوته ومحاضرته عن الغد الجديد وتصفيق النخبة المنتقاة من قبل إدارة العلاقات العامة.
حسناً، اقترح الروسي ان يتم دفن كيماوي الأسد في المحيطات الآسيوية. استنكرت هيئات بيئية دولية الإضرار بالثروة السمكية والشعب والنباتات في قيعان البحار.
ما العمل؟ الروسي مستعجل، والاميركي مستعجل أكثر، وستارة مسرحية إنقاذ الدمية الدموية يجب ان تُغلق في حد أقصاه الربيع المقبل. فكّروا في صيغة قد تجد طريقها الى الحل وهي ان يتم إتلاف جزء من كيماوي الأسد فوق سفن اميركية بتقنية المياه المفتتة للمركبات القاتلة، اما الجزء الآخر فستجرى مناقصات بين شركات عالمية لتكليف الفائزة بالعقد مهمة تدمير الجزء الباقي إنما في اطار الشروط الجديدة.
ارتبك العالم حقيقة في كيفية تدمير كيماوي الأسد. تعامل مع القضية بكل شفافية.
احترم خيارات الشعوب الرافضة لدفنه في أراضيها واستجاب لاحتجاجات هيئات البيئة الرافضة لدفنه في بعض البحار. العالم لا يمزح في قضية حماية النبات والشجر والهواء والبيئة والسمك والشعب المرجانية... كله الا الشعب المرجانية، فهي ثروة لها دورها في تحصين الطبيعة البحرية. كان يمكن لرؤساء العالم المتحضّر المتمدّن الحرّ ان يعفوا أنفسهم عن الارتباك مع أنصار البيئة والسلام الأخضر.
كان بإمكانهم توفير المصاريف التي تكبدوها نتيجة اضطرارهم الى تغيير خططهم والاتفاق مع شركات عملاقة. كان بإمكانهم تلافي كل هذا الإرباك لإنقاذ الدمية الدموية بتركها تجترّ الدم فيتخلصون من الكيماوي ومن الشعب السوري في الوقت نفسه.
لا مشكلة لدى العالم في ان يؤخذ طفل سوري من منزله ويعود اليه بلا أحشاء، فالجريمة هنا حصلت بالسكين لا بالكيماوي. لا مشكلة لديه في إبادة تظاهرة بالرصاص او إسقاط براميل البارود من الطائرات او سير الدبابات على الأجساد والأشلاء او قصف طوابير الخبز أمام الافران... هذه كلها أسلحة تقليدية. بل لا مشكلة في استخدام الكيماوي خمس مرات من باب دراسة الموضوع والتحقق منه، أما وقد حصل ما حصل في الغوطة و«زلّ» لسان وزير الخارجية الاميركي ومسؤولي الاستخبارات وقالوا ان الصور والدلائل تؤكد ان الدمية الدموية هي من أمَر بهذه الإبادة، فلا بد من تصحيح الـ «زلة» وإيجاد مخرج لمرتكبيها لا لمرتكب الجريمة.
العالم الذي انسحب من واجباته وغضّ النظر عن مجزرة القرن، مرتبك في كيفية تدمير كيماوي الأسد من دون الاساءة الى البيئتيْن البرية والبحرية، والمواطن السوري الذي ارتكب فعل المطالبة بالحرية والديموقراطية والتغيير يعيش يومياً في معسكر الإبادة مترقباً الطريقة التي سيُذبح بها.
ما أصعب ان يتمنى الانسان الذي يموت مرتيْن كل يوم ان يصبح سمكة، نبتة، شجرة، هواء، ماء... فربما دخل في اهتمامات العالم المرتبك بيئياً... الساقط أخلاقياً.
alirooz@hotmail.com