«صقر الخليج» في طبعة خامسة مزيدة ومنقحة

كتاب / سعاد الصباح: عبدالله المبارك منارة عالية ورجل دولة من الطراز الأول ... لعب دوراً حاسماً في تاريخ بلده

تصغير
تكبير
كانت حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح - رحمه الله - حالة استثنائية لرجل استثنائي... كرس وقته وجهده وعمله وافكاره وطموحاته لبناء تاريخ الكويت، ومن اجل وضع الكويت على خارطة الثقافة العربية، بكل ما تتضمنه من ارث ثقافي وابداعي وتراثي.
انه الرجل الذي كان تفكيره يدور في محاور عدة، وعلى اصعدة متنوعة، وفي اتجاهات كثيرة، وذلك من خلال ما كان يحس به قلبه النابض بحب الكويت، وذهنه المتقد بالافكار والرؤى، من مسؤولية تاريخية تجاه الاجيال القادمة.
وعلى هذا الاساس استطاعت رؤيته المستقبلية قراءة المقبل من الايام، وبالتالي فقد اشتغلت افكاره في هذه الاتجاهات، لتأسيس مفاصل مهمة للدولة، اتضح بعد ذلك انها كانت ضرورية من اجل الكويت وابنائها، انه الرجل الاستثنائي الذي أسس محطة اذاعة الكويت، ومدرسة الطيران ودائرة الطيران المدني، ووضع اللبنات الاساسية في بناء القوات المسلحة الكويتية، منذ تعيينه قائدا عاما له في عام 1954 وتزويده بالاسلحة الحديثة والتدريب المتطور، والكثير من المنجزات التي تحسب له، وتضعه في الصفوف الاولى من رواد الكويت، الذين ساهموا بشكل مباشر وخلاق في نهضة الكويت في شتى المجالات.
انه الرجل الاستثنائي الذي قدم الكثير لوطنه، وشغل مناصب مهمة وحيوية... ثم قرر تقديم استقالته من كل مناصبه بعد عطاءات كثيرة سجلها التاريخ له بأحرف من نور عبر صفحاته».
وفي طبعة خامسة مزيدة ومنقحة اصدرت الشاعرة الدكتورة سعاد محمد الصباح كتاب «صقر الخليج» عبدالله المبارك الصباح «تقديرا لهذه الشخصية الوطنية التي كان لها بالغ الاثر في نهضة الكويت، ثقافيا وفكريا وسياسيا، وذلك من اجل ان يتعرف ابناء هذا الجيل على رجل تفاعل بقوة مع كل قضايا الوطن في مرحلة خطرة، ومهمة من تاريخه، الكتاب صدر عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع.
وكذلك للاقتراب من شخصيته... وافكاره التي كرسها في بناء مؤسسات الحكم والدولة الحديثة، في ظل الظروف التي احاطت بالكويت في مرحلة التحول الكبرى بعد ظهور النفط وما ترتب عليه من طفرة اجتماعية في الخمسينات.
والكتاب يعد وثيقة تاريخية مهمة صاغتها الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في اسلوب ادبي رشيق، مستقية معلوماتها من المصادر الاولية، مثل تقارير الوكيل السياسي البريطاني، وتقارير القنصلية الاميركية في الكويت، وما كتبته الجرائد والمجلات وقتها في الكويت ومصر ولبنان، الى جانب المقابلات الشخصية.
تقول مؤلفة الكتاب الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في اهدائها للكتاب: «الى اولاد الرجل الكبير عبدالله مبارك والى احفاده، والى الاجيال الكويتية القادمة التي ستضيء لها هذه السيرة العطرة معالم الطريق الي المستقبل... انها سيرة رجل عصامي، صنع نفسه، وساهم في صنع بلاده، وترك لقومه تراثا عظيما يفاخرون به... طلع عبدالله مبارك من ارض الكويت الطيبة، وعشق ترابها، ودافع عن اسوارها، ورفع راياتها، وتفانى في خدمتها منذ كان صبيا في الثانية عشرة من العمر، حتى وصل الي رتبة نائب الحاكم... هو واحد من مؤسسي دولة الكويت الحديثة، واحد المهندسين الاوائل الذين خططوا وشيدوا وعمروا واقاموا الدعائم الاساسية لكويت ما بعد ظهور النفط».
وأضافت: «عبدالله مبارك كتاب بألوف الصفحات والعناوين، لابد للأجيال الكويتية الشابة أن تقرأه، لتتعلم مبادئ الفروسية، والرجولة والشجاعة والكرم والوطنية... وهو منارة عالية، وبرج من أبراج الكويت، يدل المسافرين، والسفن، والبحارة، ويفتح لهم طريق السلامة إلى موانئ القرن الواحد والعشرين...».
وأعطت الصباح في مقدمة الطبعة الاولى من الكتاب رؤية واضحة لمضامين كتابه الذي ترى انه «ليس مجرد (قصة حياة) حتى ولو كانت لرجل غير عادي واستثنائي كعبدالله مبارك الصباح».
إنما هو كتاب «توثيق لمرحلة مهمة من التاريخ العربي للكويت»، بجميع الابعاد الوطنية منها والإقليمية والدولية.
تم هذا التوثيق من خلال «تتبع حياة عبدالله مبارك» بجوانبها «الخاصة والعامة»... أي «إنساناً» يمثل مجموعة من «المشاعر والمبادئ»، و«رجل دولة»، من الطراز الأول لعب دوراً حاسماً في تاريخ بلده ترك من خلاله آثارا ملموسة على الساحتين الاقليمية والدولية.
ولا شك في أن «الهدف والأسلوب»... اي «التوثيق التاريخي» و«منهج هذا التوثيق»، يعدان «تحديا» فكريا وعلميا يفوق بكثير حدود «الكتاب الواحد» او حتى الكتب المتعددة.
فتاريخ الكويت - رغم الصغر النسبي لمساحتها الجغرافية - خلال الحقبة الزمنية موضوع البحث... انما هو تاريخ حافل بالأحداث المهمة والمؤثرة... وهو تاريخ له خصائصه المميزة وأبعاده المتنوعة.
ثم تحدثت عن حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح الانسان ورجل الدولة، وما تضمنته هذه الحياة من احداث مهمة وأدوار مؤثرة.
وأكدت انه «ليس هناك دوافع شخصية وراء ذلك... فالكتاب لا يحاول ان يفرض عبدالله مبارك على تاريخ الكويت... فمكانه في التاريخ المعاصر لدولة الكويت ثابت ومدعم بالحقائق، وانما الهدف من هذا الكتاب اذاً هو محاولة تسليط الاضواء على دوره المهم في تاريخ الكويت لإتاحة الفرصة للأجيال الجديدة لكي تتعرف على المؤسسين الاوائل للدولة واسهاماتهم التاريخية في بناء المؤسسات وارساء دعائم الحكم، وعلى الرموز التاريخية المضيئة التي صنعت تاريخ الكويت الحديث».
واستطردت في سردها التاريخي لحياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح - رحمه الله- لتقول: «خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمان شهد عبدالله مبارك عديدا من الاحداث، وبعضها شارك في صنعها أو كانت له اليد الطولى في حدوثها، فعلى المستوى الوطني وخلال خمسة وثلاثين عاما، اسهم في بناء دولة الكويت الحديثة في مختلف مراحلها، ويمكن ان نميز بين مراحل عدة في هذا المجال: المرحلة الاولى وهي التي تبدأ من عهد مبارك الكبير وتستمر حتى تولي الشيخ أحمد الجابر الحكم في عام 1921، وشهدت هذه المرحلة وضع اساس الدولة، واتسمت المرحلة الثانية (1921-1946) بالسعي نحو «ايجاد مؤسسات متوازنة للسلطة»، والبحث عن صيغ للمشاركة الشعبية، اما المرحلة الثالثة (1946-1960) فهي مرحلة التغير السريع في المجتمع ومؤسسات الدولة والانفتاح على الخارج تحت تأثير الثروة النفطية التي كان من شأنها احداث تحولات جذرية في اسلوب الحياة ومستوى المعيشة، وتمتد المرحلة الرابعة (1960-1990) من الاستقلال إلى فترة الغزو العراقي والاحتلال، و اخيرا مرحلة التحرير وإعادة البناء منذ عام 1991.
في المرحلة الاولى كانت مسؤولية الشيخ وهو مازال في فترة الشباب المبكر- ادارة الأمن العام ومكافحة التهريب، وازدادت اهمية هذا الدور في سنوات الحرب العالمية الثانية، وهو ما دفع الحكومة البريطانية في عام 1945 إلى منحه وسام الامبراطورية الهندية، ولكن الدور الاكبر للشيخ كان في السنوات العشر السابقة على الاستقلال ويبدو ان القدر ربط بينه وبين وطنه في مرحلة حاسمة من التطور لكليهما، فقد كان الشيخ في بداية الثلاثينيات وهي مرحلة الرجولة والقدرة على العطاء، وكان الوطن يتفجر حيوية ونشاطا ويتدفق بالخير والنماء وتفاعل الرجل مع متطلبات المرحلة من اجل بناء مؤسسات الدولة الحديثة، كما سيتبين من هذا الكتاب، فقد كان لهذه المرحلة ضروراتها التي كان على الشيخ ان يتعامل معها.
ومع تولي الشيخ عبدالله السالم زمام الحكم، اخذ دور عبدالله مبارك يتبلور من حيث حجم المسؤولية ومداها، حيث تولى الحكم بالنيابة للمرة الاولى في عام 1950، ثم عام 1951 ثم تولاه في عام 1952 لمدة ثلاثة أشهر، ومرة اخرى المدة ذاتها عام 1953، ولمدة شهرين عام 1954، وثلاثة اشهر عام 1955، ولشهر واحد عام 1956، ثم اربعة اشهر عام 1957، فخمسة شهر في عام 1958، وفي عام 1959 تولى الحكم في كل أشهر السنة ما عدا اشهر اكتوبر، وفي عام 1960 لمدة ستة اشهر، وبصفة عامة، فقد تزايدات مهام نائب الحاكم في السنوات الثلاث السابقة للاستقلال بسبب مرض الحاكم وازدياد فترات سفره خارج الكويت، ولما كانت هذه لمرحلة «منعطفاً تاريخيا نحو الحصول على الاستقلال»، واتسمت بالتحرك السياسي الخارجي النشط والانفتاح السياسي الداخلي، فان دور عبدالله مبارك في هذا «المنعطف التاريخي نحو بناء المؤسسات الحديثة»، كان محوريا ورئيساً.
ولئن كان عبدالله مبارك قد دخل - بعد استقالته في ابريل 1961 - ولمدة ثلاثة عقود- في منطقة الظل بعد ان كان في مرحلة ما قبل الاستقلال وتدا اساسيا في بناء دولة الكويت الحديثة، فان ارتباطه بالكويت ومتابعته لاحداثها واسهامه في تطورها- في الحدود التي فرضها على نفسه في ما يتعلق بالعمل العام- لم ينقطع، بل انه عندما جاءت صدمة الغزو- وبرغم مرضه- وضع نفسه وعائلته وكل ما يملك في خدمة اسمى الاهداف واعزها إلى نفسه، وهو تحرير الارض التي عشقها وعمل وتفانى من اجلها، حتى تحقق امله في العودة إلى ارض الوطن، لقد كان غيابه عن وطنه هذه المدة سنة كاملة اذ غادر الكويت في 15 يونيو 1990، وعاد إلى ارضها المحررة ليرقد في ترابها حين كان على موعد مع القدر في لندن في 15 يونيو 1991».
وانه خلال السنين عرف الشيخ عبدالله مبارك الصباح العشرات من رجالات السياسة العرب والاجانب واعتزل الحياة السياسية العربية، وعرف دخائلها وتفاصيلها، كما انه عروبته كانت نابعة من البيئة التي تربى فيها، والمناخ الذي شكل عقله، وكانت له مواقف مشرفة في خضم الحروب العربية مثل حرب 1956، وحرب 1967 وحرب 1973، كما كانت له نظرة خاصة وتقييم عميق للحرب الإيرانية - العراقية.
وكانت له مواقف تجاه الدول الكبرى تتسم بالواقعية والشجاعة، ومع انفتاحه على دول العالم وتفهمه للمتطلبات الجيوبوليتيكية لأمن الكويت، وما تفرضه من علاقات خاصة مع بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، فانه كان حريصا كل الحرص على ألا يكون الثمن على حساب السيادة الكويتية او استقلال الكويت او مصالح شعبها.
والكتاب - كما تؤكد مؤلفته - يغطي فترة زمنية تبدأ من العشرينات من القرن الماضي، وعلى وجه الخصوص من عام 1926، عندما كان عبدالله مبارك في الثانية عشرة من عمره حيث بداية عمله العام، وتنتهي في يونيو عام 1991 عندما وافته المنية ودفن في ارض وطنه.
كما تحدثت المؤلفة عن منهجها للتوثيق التاريخي في كتابها، والذي اعتمدت فيه على الشخصية محل الدراسة، بكل ما فيه من مزايا اهمها الموضوعية وسهولة القراءة وتبسيط الامور وغيرها، غير انه لا يخلو من المخاطر اهمها عامل الانحياز، مؤكدة انه من اجل ذلك اخضعت كتابها الى اقصى درجات التدقيق والتنقيب والتعليق من جهات مختلفة وافراد ذوي مؤهلات متعددة.
وترى الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح - في مقدمة الطبعة الخامسة من الكتاب - ان كتابها يجمع بين ذفتيه اكثر من منهج فهو من ناحية اولى يندرج ضمن كتب التراجم او السيرة الذاتية، ومن ناحية ثانية بحث في التطور السياسي والاجتماعي وعملية التحديث وبناء المؤسسات في الكويت، ومن ناحية ثالثة بحث العلاقات العربية والدولية، فيدرس صفحات من تطور الاوضاع العربية، وقضية انضمام الكويت الى الجامعة العربية قبل الاستقلال، ويعرض لجذور الاطماع العراقية في الكويت وغيرها.
وقالت الصباح: «لقد استغرق البحث في المادة العلمية لهذا الكتاب السنوات الاولى من حقبة التسعينات من القرن العشرين وصدرت طبعته الاولى عام 1995، وهآنذا بعد حوالي عشرين عاما اعكف على كتابة مقدمة الطبعة الخامسة وخلال هذه الفترة حرصت على متابعة كل ما صدر عن مرحلة الخمسينات من كتب او ما يتم نشره من وثائق لم تكن متاحة من قبل وسعيت لاضافة اي معلومات جديدة الى الكتاب، وفي هذه الطبعة استفدت من الوثائق الجديدة التي نشرها مركز المحفوظات والتراث والتوثيق في كتاب اصدره عن الشيخ عام 2010، وحرره الاستاذ محمد بن ابراهيم الشيباني، ومن كتب السيرة الذاتية لعدد من ضباط الجيش الكويتي الذين تعرضوا بالتفاصيل لعملية بناء الجيش ولدور الشيخ عبدالله مبارك الصباح فيها واستفدت ايضا من المجموعة الكاملة لمجلة الكويت اليوم، والتي كانت بعض اعدادها غير متاحة لي من قبل».
والكتاب ينقسم الى ستة فصول، الى جانب المقدمة، وملاحق الوثائق، او الفهارس والرصد التاريخي، ومقتطفات من تعليقات الصحافة العربية على الكتاب.
وتحدثت الباحثة في الفصل الاول عن عبدالله مبارك الصباح الانسان، من خلال نشأته في صباه وشبابه، وصفاته الشخصية، وبداية مشاركته في الحياة، العامة، وبينما تناولت في الفصل الثاني دور الشيخ عبدالله مبارك الصباح في بناء المؤسسات الحديثة في مجالات الامن العام والجيش والتعليم والطيران، وهيئات المجتمع المدني.
وفي الفصلين الثالث والرابع عالجت الباحثة علاقات الكويت الخارجية بداية بالمستوى العربي ونهاية بالمستوى الدولي، والتعرض لاحداث مهمة ومثيرة في هذه الحقبة كان لها دور بناء في نهضة الكويت، بينما تحدثت المؤلفة في الفصل الخامس عن غزو العراق للكويت والاحتلال والتحرير، وفي الفصل السادس تجميعا تحليلي لما تناوله الكتاب في فصوله الخمس.
واوضحت مؤلفة الكتاب «ان التاريخ الكويتي ملك لشعب الكويت، ولان عبدالله مبارك من الرواد الذين اسهموا في صنع تاريخ الكويت الحديث، واحقاقا للحق، وانصافا للرجل، وتسجيلا للحقيقة. كان لابد من ان يجد هذا الكتاب طريقه للنشر، وان تختتم فصوله بتساؤل حاولت الاجابة عنه... وهذا السؤال هو: ماذا يبقى منه للتاريخ؟ ولماذا؟».
واعتمدت المؤلفة في اعداد كتابها على مصادر علمية ووثائقية عدة متعلقة بتاريخ الكويت في النصف الاول من القرن العشرين، وحتى حصولها على الاستقلال عام 1961 ومنها الوثائق البريطانية، من خلال التقارير والمراسلات الديبلوماسية البريطانية، ثم الوثائق الاميركية، خصوصا في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، والوثائق الكويتية، والمقابلات الشخصية الى جانب المراجع، والصحف والمجلات.
وقالت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في حديثها عن الفترة الزمنية التي استغرقها الكتاب «... فلقد استغرق اعداد هذا الكتاب اكثر من ثلاث سنوات، ولقد كانت المهمة في البداية غاية في الصعوبة، غير ان تصميمي على اتمام هذه المهمة المحببة الى نفسي وقلبي واسهام عدد كبير من الاصدقاء والمقربين الينا وتشجيعهم جعلت في النهاية من هذا العمل حقيقة، ويصعب عليّ ان اتقدم بالشكر شخصيا لكل من اسهم في هذا العمل فعددهم كبير واسهاماتهم متفاوتة ولكنهم يعلمون جميعا كم اقدر لهم ما قدموه، فلهم جزيل التقدير والعرفان... غير انني اتحمل وحدي مسؤولية اي اخطاء او قصور، واقدم للقارئ سلفا اعتذاري عن الخطأ غير المقصود».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي