| د. فهيد البصيري |
لقد قلنا لكم مرارا وتكرارا أن هناك مشكلة في المعارضة، وأنه ليس في كل حركة بركة، وأن النقد الذاتي مطلب أساسي، وأن أغلب المنتمين للحراك هم من البسطاء، وفيهم المرتزقة، والأفاكون، والدليل هو فشل الحراك في كل شيء حتى في لملمة بقاياه. فنصف نواب الأغلبية دخل مجلس 2013، ونصفه الآخر اعتزل الحياة السياسية، وتحول إلى المسرح.
ورب ضارة نافعة فقد الهَمتْ هذه الانتكاسات الرئيس أحمد السعدون ونطق أخيرا (وقص الحق من نفسه). وهي خطوة تحسب له. ولو أنني قلت ما قاله أحمد السعدون، وبالمفردات نفسها لانقلبت الدنيا على رأسي وقالوا عني اني حكومي وهي تعني في وقتنا الحالي خائنا مع سبق الاصرار والترصد.
وما علينا من لو وأخواتها، والمهم أن رئيس مجلس الامة السابق شق جيبه، وهو يقول إن في الحراك مندسين ومرتزقة و متسلقين، ويقول ان هذا الكلام أكيد مئة في المئة، وجاء خالد الفضالة وقال بل أربعمئة في المئة، وأنا أقول بل مليون في المئة، وهو وضع طبيعي في كل حركة سياسية على مستوى كوكب الارض، فالمؤمنون قلة في كل زمان ومكان، ولكن ما قاله خالد الفضالة هو بيت القصيد،وخالد الفضالة أحد شباب الحراك، والشباب هم وقود كل حراك أو حزب أو معارضة، وهم أول من يدفع الثمن، بينما يتمتع بعض السياسيين أو المرتزقة بالمال والشهرة والوجه الحسن، وكما قال الفضالة : فإنه إذا كان هناك أحد يجب أن يُلام. فهم نواب الأغلبية ولا ذنب للشباب في ما وصلت إليه الأمور، لكون النواب هم قادة الحراك، وكان أبلغ ما قاله خالد الفضالة: إن بعض نواب الأغلبية اختطفوا أحلام الشباب، ومشاريعهم، وراح يساوم عليها من أجل مصالحه الخاصة، بينما كان السجن والسحل من نصيب الشباب.
ومشكلة قادة الحراك أو نواب الأغلبية أنهم أصبحوا مثل الكتاب المقدس،
وأصبحت رموزه فوق الشبهات، فهم لا يأتيهم الباطل من خلفهم أو من أمامهم، بينما حُرم على قواعدهم انتقادهم، أو حتى المشاركة برأي في تصحيح مسارهم، مع أن بعض نواب الأغلبية حديث عهد بالإيمان بالوطنية، وأخطاؤه أبلغ من خطواته.
وما يفهم من كلام السعدون اليوم أن الحراك رجع إلى المربع الأول، وعموما ولا تكرهوا شيئا وهو خير لكم، فهذه فرصة نادرة للتصحيح، وما قاله السعدون هو الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، ولكي لا نتوه وراء خطواته وخطوات رفاقه، عليه أن يصارحنا أولا، لأن في الصراحة راحة له، وراحة لنا، وعليه أن يكون واضحا في طرحه ودون استخدام كلمات مبهمة كالبعض أو الفاسدين أو أقطاب في الحكومة، فالتعميم يفقد الخطاب مصداقيته، والغموض يجعله أكثر هشاشة، ثم على اباطرة الحراك أن يكونوا أكثر وضوحا في تحديد أهدافهم، فإذا كانوا يريدون رئيس وزراء شعبيا فعليهم أن يقنعونا بـ :لماذا؟ وكيف؟ ومن؟ وإذا كانوا يرفضون قانون التصويت الحالي فعليهم أن يقدموا القانون الأنسب من وجهة نظرهم، والذي يكفل من خلاله التمثيل العادل (نسبيا) لكل الشعب الكويتي، وإذا كانوا يريدون حكومة منتخبة فعليهم أن يهدونا إلى الآلية المناسبة لهذه العملية، فالموضوع لا تحله الخطابات المحرضة، ولا لوم الآخرين، أو تخوين نصف الشعب الكويتي، فنحن نعلم أن الكويت تسير نحو الهاوية، ولكن الغالبية قتلت كل أمل في النهوض والتطور، وإذا كان بيننا مندسون فمن يدري ربما كان هناك من يقود الحراك للعمل بأجندة حكومية، فإذا كان الطريق غير واضحا، والأهداف غامضة، والمرتزقة ببلاش، فاستريحوا يرحمني و يرحمكم الله، لأنني لم أقرأ في حياتي عن معارضة تدعي أنها شعبية، وتعبد الأشخاص ولا تؤمن بالمبادئ، وبدلا من طرح مبادئها على الشعب توزع شتائمها عليهم بالمجان، وتطالب بالديموقراطية، وهي لا تقبل سوى ما يريده أعضاؤها! وتنادي بالحرية وهي لا تعترف بالتعددية الطائفية لشعبها!
وللأمانة هذه القواعد والشروط ليست من بنات أفكاري ولا من إبداعاتي النادرة، بل هي شروط أي عمل سياسي سليم يسعى لأهداف نبيلة، ويهدف إلى المصلحة العامة ولو كانت على حساب مصالح القائمين عليه، هذا إن كنتم صادقين.
fheadpost@gmail.com