يموت الانسان وتموت ذاكرته معه، إلا الكبار كالمبدع أيوب حسين، الذي رحل وترك لنا ذاكرته على الجدران، ترك لنا ذكريات الفرجان القديمة، والبيوت الطين الصغيرة، وسلالمها الضيقة التي تؤدي الى زرقة بلون شواطئ مزدحمة بالسفن المحملة بالامل، والبحارة والغاصة العائدين من مغامراتهم، ونساء ينتظرن بلهفة عودة السندباد من رحلاته!
لوحاته، تجبرك على الوقوف أمامها، تتابع التفاصيل الدقيقة فيها، تأسرك الخطوط والالوان والظلال، وتقف مشدوها وانت «تسمع» في لوحاته اصوات المارة، ودعوات العجائز، وصوت «الراديو» القديم، وغناء النهام، وأهازيج الاطفال، ونداء بائعة «الباجلا»، وصوت «السامري» يتحرك بهدوء بين «سكيك» لوحاته.
سر عبقريته في بساطة رسوماته وعمقها، ريشته كانت مثله، تتحرك على مساحات لوحته بلا تكلف، لم يتعال على الناس بإبداعاته، أرادها قريبة منهم ومن مزاجهم وثقافتهم، فاقترب الناس منه وعشقوه، وكيف يمكن ان يكون متكلفا وهو يوثق مشتاقا لبيئة كانت البساطة سر جمالها.
لم يرسم ذكرياته بقدر ما رسم ذكريات جيل كامل، ووثق تاريخ وهوية بلد كان يطل خجلا على ضفاف الخليج، ووثق الاماكن التي دمرتها جيوش المدنية وآلاتها القبيحة، رسم مشتقا للماء والطين، الطين الذي خلق شرق وجبلة والمرقاب... الطين الذي من قبل خلق منه الانسان.
عندما يرحل مثل أيوب حسين من عالمنا، يحملون دائما معهم قطعة منها، يتركون دائما في حياتنا مساحة من الفراغ لا يشغلها غيرهم، ومثل الاطفال في الفرجان القديمة، يتركون شخبطاتهم على جدار بيتك ويرحلون، ونرفض ان نمسحها لانها تذكرنا بهم، ترك أيوب إبداعاته على جدراننا ورحل حاملا معه تاريخ شعب... كان الانسان فيها الى الله أقرب، وعلى هذا البلد أحن!
جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com