د. فهيد البصيري / حديث الأيام / جيل من «التبوع»!

تصغير
تكبير
| د. فهيد البصيري |

الحقيقة انني حائر في سبب استمراري في الكتابة ولا أجد جوابا لذلك، وقد تستغرب عزيزي القارئ بفرض وجودك إذا قلت لك إنني أكتب منذ سنوات طويلة وفي كل المشارب والمذاهب ماعدا الدين والطبخ، ولكني أعدك بالكتابة عن الطبخ أما الدين فأعفني منه.

ومع أنني متأكد من أن القراء انحسروا أو انحشروا بسبب التكنولوجيا الحديثة، إلا أنني مستمر ومواظب على مقالتي الاسبوعية وكأنني طه حسين أو شارلز دكنز، أو كأنني أخشى خسارة وظيفتي في الجريدة مع أنني غير موظف! وعذري في ذلك قناعة قديمة بدور الصحافة المحوري في محارية الفساد، «ومن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، وعلى هذا الأساس أكتب أنا وغيري بلساننا وكأننا نكتب في لوح محفوظ.

ولكن المؤلم مع مرور الأيام والأعوام أنني اكتشفت أننا لا نكتب في لوح محفوظ بل للوح محفوظ، وأن الناس تحتفظ بقناعات لا تتزعزع ولو اطبقت الأرض على السماء، وهي في الحقيقة لا تقرأ لك بل تتفرج عليك، ثم تحمد الله على نعمة العقل بعد ذلك، وفي النهاية يضعك القارئ على أقرب رف لديه -مع افتراض وجود رف طبعا - بعد أن يُصنفك، وهل أنت معه أو ضده؟ ولا يهم قيمة ما كتبت أو أهميته، فمشكلة القارئ العربي أنه خرج من مدارس تلقين، فهو متلقٍ من الطراز الأول، ويمكنك أن «تدحس» أي معلومة تريدها في رأسه وسيتقبلها برأس رحب مهما كانت سخيفة مادامت صادرة من معلمه أو ملقنه القديم، فهو يسير على طريقة «هذا ما وجدنا آباءنا وأجدادنا عليه»، والحقيقة أن العالم العربي لا يلام في ما وصل إليه الإنسان العربي اليوم، فهو ابن قوالب فكرية ومذهبية لا يمكن أن يخرج منها ولو لأمتار قليلة، لأن خروجه منها يعني نبذه وموته، فالإنسان العربي لم يتعلم التفكير ولم يُسمح له بذلك، فأنت حينما تُعلم الإنسان التفكير فأنت تحرره، وتعطيه الأدوات والقدرة على ممارسة النقد والتطوير، وحين تحشو رأسه بالتلقين فأنت تضمه للقطيع وتقول له اتبعني يرحمني ويرحمك الله، ومن هنا نشأ جيل من التبع أو (التبوع).

أما الشق الثاني من الكتابة الخاص بنقد الحكومة وأخطائها فقد أصبح مضيعة لوقتي ووقتكم، بل إنها صارت تجلب المضار وتطرد المنافع، فحكومات هذه الأيام ضد الرصاص والطلقات فكيف تؤثر فيها الكلمات؟ وقد وصلوا إلى قاعدة ذهبية هي «اكتب وقل ما تشاء ولكن الحكومة ستفعل بك ما تريد».

والحكومات الفاسدة أكثر ذكاء وأكثر قوة مما تظنون، فقد اشترت وسائل إعلام وخلطت الحابل بالنابل، فبهت العالم، ولم يعد يهم الناس مما يقال سوى «من هو معها ومن هو عليها ومن وجهة نظر موروثاتها القديمة».

ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فاقرأوا بعقولكم يرحمكم الله لأن القلوب تحب ولا تفكر، والحب من واقع تجربة أعمى.





fheadpost@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي