| كمال علي الخرس |
تمشي على شاطئ المارينا مع صاحبتها، بيدها جرو صغير، تنفث دخان سيجارة أشعلتها للتو، تسريحة شعرها تشبه قصة المارينز مع صبغ فسفوري لامع.
الحرية شيء جميل، بل ان الباري تبارك وتعالى خلق الإنسان حرا، لكن للحرية حدود، في منزله يتصرف الانسان بحرية أكبر ويضع السماء نصب عينيه، فالقانون ليس له عين تنظر داخل البيوت، لكن خارج البيت في الشارع وفي الساحات العامة وفي الجامعات والشواطئ للحرية حدودها.
كأنما الصراع السياسي وظهور كتل دينية متعصبة، وأحيانا متطرفة إلى حد العنف، برر السلوكيات الشاذة ليس على العادات والتقاليد فحسب بل الشاذة عن الدين في مجتمع أغلبه مُسلم.
هل نجاح فئة سياسية وسقوط أخرى، وهل الصراع السياسي بين التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية يجعل من المسموح انتشار الابتذال في الملبس وفي السلوك العام؟ مشاكل كثيرة لم تكن بهذه الصورة، جرائم قتل وشجارات في الأسواق، ارتفاع في نسبة الطلاق، وعزوف كثير من الشباب عن الزواج، هذا ثمن البضائع المستوردة من مجتمعات مفككة اجتماعيا مثل المجتمعات الغربية. فيا ليت الناس استوردت من رحلاتها السياحية أو الدراسية تجارب الغرب في بناء المصانع، وفي العمل المنتج، وفي شق الطرق وحفر الأنفاق وفي بناء الجامعات المزودة بكل ما تحتاجه العملية التعليمية، وفي الخدمات الصحية المتكاملة.
لعل البعض يرسم صورة خاطئة توحي بأن الابتذال بالملبس، وعدم الاحتشام، والتمرد على الستر، يقود إلى التطور والنمو، ويقوم هذا البعض بالربط بين ارتفاع الابراج في الدول الصناعية الغربية وقصر الفستان هناك، مع ان التطور المادي هناك وحتى التنمية البشرية لها اسسها المعروفة، وليس الابتذال والتفسخ الاخلاقي جزءاً من هذه الأسس. ان التطور يأتي من الاخلاص بالعمل، ومن عدم وجود وساطات ظالمة، ومن عدم التمييز بين شخص وآخر بسبب عائلته ونسبه، والتطور يأتي مع تطوير المؤسسات التعليمية والتربوية.
ما يحدث في الكويت أمر مؤسف، وقد لا يُرضي هذا الكلام البعض، لكنها مهمة القلم، أن يكتب بصدق ويقرع في الوقت نفسه ناقوس الخطر محذرا من الظواهر التي تنخر في جسد المجتمع. قد تكون قضية السكن وتقليص مدة الانتظار مهمة، لكن الأهم منها الأسس الاخلاقية التي تشكل دعائم لسكن مستقر للأسرة. وبناء الجامعات هو أيضا أمر مهم للغاية، لكن الأهم هو بناء اللبنات الاخلاقية والسلوكية للطلبة والطالبات، لكي يدخلوا الجامعة وهم يُقدّرون حُرمتها، حرمة العلم والتربية، لا أن يدخلوا الجامعة وكأنهم في دار لعرض للأزياء. البعض يطرح جدلية أن المَخبر أهم من المظهر، ويقوم بفصل الأخلاق عن المظهر الخارجي، فهو يقول الأهم في الكأس هو الماء الذي بداخله! لكن كيف يمكن احتواء الماء دون وجود القَدح، فالكأس هو الشيء الظاهر الذي يحتوي ميوعة الماء، والكأس وجوده ضروري ومن الضروري أيضا أن يكون هذا الكأس نظيفا.
عالم السياسة وعنفها وصراعاتها، ضيعت جزءا كبيرا من الممارسات الأخلاقية في المجتمع، والتكسب السياسي والانهزام في ساحة السياسة جعل البعض ينكفئ عن معالجة الظواهر غير الأخلاقية حتى اصبح السلوك المنحرف مقبولا جدا باسم الحرية، الحرية التي تتعدى حدودها لتصبح في كثير من الاحيان أمواجا من الأهواء التي تحطّم أكبر السفن وتهلك من عليها.
alzoor3@yahoo.com