د. مبارك الذروة / رواق الفكر / هداية العقل والضمير

تصغير
تكبير
| د. مبارك الذروة |

هل هناك ثمة تناقض بين عمل الضمير وحركة العقل؟

كنت منذ سنين طويلة اشعر بارتياح وطمأنينة قلبية ونفسية تجاه كثير من قيم الفكر الاسلامي والانساني، فالقلب لا يهنأ الا بصفة الثبات واستمرار هذا الثبات النفسي والا تكدر صفوه واصبح في عيش ضنك!!

لكن حال العقل مختلف جداً، فهو دائم الحركة ينقد ويستنتج ويحلل لا يهدأ أبدا ولا يركن لنظرية حتى يرتحل الى أخرى كأنه في معركة جدلية لا تضع أوزارها!!

وما زلت على هذه الحال حتى اطلعت على ترجمة لعميد الادب العربي طه حسين قدمها الاستاذ الاديب جهاد فاضل بعنوان (ادباء عرب معاصرون) يصفه بأنه شخصية قلقة!!

فهو ان كان هادئ القلب والضمير الا انه ناقد ومفكر لا يعرف الهدوء!! فهو بين انهماك ما يبني ويهدم... هكذا إلا ان مات...! والحقيقة بعد التأمل ان طبيعة التغير الاجتماعي وتفرد الكينونة الانسانية المعقدة وما يحيط بذلك من حراك اجتماعي وسياسي وتكنولوجي سريع ومذهل هو ما يفرض علينا كثيرا من التناقض بين ما نريده وما يراد لنا! فما نؤمن به ونصدقه قد تخترقه الحياة بصعوباتها ومشقاتها.

من هنا يظهر لي ان فقهاءنا رحمهم الله أدركوا هذا السر اللطيف واستنبطوا قواعد رائعة مثل قاعدة المشقة تجلب التيسير او الامور بمقاصدها والضرورات تبيح المحظورات.

ثم جاءت قواعد اخرى اكثر روعة تبين اثر المجتمع وعاداته على سلوكياتنا مثل العادة محكمة والمعروف عرفا كالمشروط شرطا...

فنحن قد نؤمن بشيء لكننا نفعل خلافه للضرورة.. وهي بطبيعة المقام تقدر بقدرها!

كما اننا قد نقوم او نسلك عملا دينيا او دنيويا فيه من المشقة ما يرهق احدنا وقد يؤذيه فتأتي قاعدة المشقة تجلب التيسير... لتخفف عنا مثل هذا العبء!! وهذا مشاهد وملاحظ في الحج... حيث يرتفع الحرج عن المسلم في كثير من المناسك كما هو معروف.

المشكلة اننا نرجو من الله رفع الحرج وتيسير احوالنا ونفتش عن تبريرات نقلية وعقلية لذلك في الوقت الذي لا يرحم بعضنا بعضا... ولا يقبل اعذاره... فضلا عن الاخذ في تشديداتنا النقدية للاخرين...

من لايرحم لا يرحم! ومن لا يألف لا يؤلف! وانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين!

والمقصود اننا بين عمل الضمير وحركة العقل... نتقلب وننقد ونعيش...! ولا راحة الا بثبات الضمير واستقراره وحراك العقل ونشاطه، وقيد ذلك كله هدي من الله الرحمن الرحيم.



maltherwa@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي