د. فهيد البصيري / حديث الأيام / الأميركيون والاقتصاد الذي قتل السياسة

تصغير
تكبير
| د. فهيد البصيري |

فعلها الجمهوريون، وضربوا برئيسهم حائط البيت الابيض، ورفضوا ميزانية الاتحاد الفيدرالي، وقالوا لموظفيها (باي باي) وبلا حكومة وبلا دوخة، وقطعوا رواتبهم، ولولا الحياء لقطعوا راتب الرئيس الاميركي لأن المسكين على الله وعلى ميزانية الحكومة الفيدرالية.

وقصة الاقتصاد الأميركي كقصص الف ليلة وليلة، وفي كل ليلة ويوم لهم قصة مع اقتصادهم، وهناك عندهم الاقتصاد هو أبو السياسة وأمها وجدها والعائلة الكريمة، وتهون السياسة ولا يهون الدولار، لذا حار الناس في تحليل السياسة الاميركية المتشقلبة رغم أننا نقول لهم منذ دهور بعيدة: «افهموا الاقتصاد الاميركي لكي تفهموا السياسة الاميركية».

والقصة وما فيها أنه وعندما وصلت أول دفعة من المهاجرين لأميركا الشمالية، صلوا على نجاتهم من اليم، وبدأوا بحملة تطهير تاريخية للهنود الحمر، وبعد أن استتبت لهم الحال وطاب لهم الفال، التفتوا وراءهم وتذكروا أيام الفقر وليالي السجون الطويلة، فتعاهدوا بينهم وبين أنفسهم على أن يتركوا كل واحد منهم (في حاله) أي حرا في ما يقول وحرا في ما يختار وحرا في ما يفعل، ومن هنا بدأت الحرية لديهم قبل الثورة الفرنسية، ولم يقفوا عند الحرية الشخصية فقط بل أضافوا لها الحرية المادية، وتبنوا طريقة جديدة وأسموها (البراغماتية) ودلعوها وأسموها الطريقة العملية، وهي تعني كما يقول إخواننا المصريون (اللي تكسبوا العبوا) واتفقوا على أن الاخلاق ليست مهمة بل المهم النتيجة التي تأتي بالفلوس.

والمهم أنهم عاشوا بحرية لم يحلموا بها أو حلموا بها وطبقوها فعلا، وصارت الحرية تجر الحرية إلى أن وصل الأمر إلى حرية رأس المال، وعندها تحولت الحكومة إلى جارية عند رأس المال، وأخذ رأس المال راحته، وراح يسرح ويمرح، وساقوا الأعذار والنظريات الاقتصادية من أجله، وتبنوا مبدأ دعه يعمل دعه يمر ونسوا أن يقولوا وخليها على الله المهم أنهم أخلصوا للمال (فخلص عليهم).

حتى وصل الأمر بالحزب الجمهوري ذي الاغلبية النيابية في الكونغرس إلى رفض تمرير ميزانية الاتحاد الفيدرالي وكأنهم يتكلمون عن الاتحاد السوفياتي السابق، وتركوا الرئيس الاميركي يعض اصابع القدم لأن والده تركه بين هؤلاء الاميركيين البخلاء، وكل المشكلة أن الرئيس الطيب يريد أن تستمر ميزانية الرعاية الاجتماعية، والتي تقدم للرعاية الصحية والتعليمية ومخصصات المناضلين القدماء من المحاربين المصابين والمعاقين، وكلها أولويات للمواطن الاميركي العاجز البسيط وتصورا أن مجلس الشعب الأميركي وقف ضد شعبه!

وبالنسبة لنا فإنها حالة فريدة ولكن الحقيقة هي أن الامور لا تسير وفق هذا التبسيط السريع فالرعاية الاجتماعية التي سببت القطيعة بين الرئيس والكونغرس لا تأتي ببلاش بل لها ثمن باهظ يدفعه الشعب الاميركي عن طريق الضرائب، وسبب رفض الجمهوريين لطلب الرئيس الاميركي ليس لأنهم يسيرون ضد إرادة شعبهم، بل لأنهم ضد إرادة الرئيس الذي يطلب الزيادة دون أن يقنعهم من أين سيوفر هذه الزيادة ودون أن يوضح لهم كيف سيصرفها أو كيف سيستردها.

إنه نظام سياسي معقد ترك الإنسانية على جنب وراح يغازل المادة، يعيش ليأكل ويأكل ليعيش حتى أن الصينيين توسلوا للأميركيين كي يزيدوا أكلهم ليستهلكوا الصادرات الصينية، وفي كل الاحوال يجب ألا نظن أنفسنا أكثر علما ودهاء من الاميركيين فهم جهابذة عندما يخص الأمر اقتصادهم، وهم يعلمون أن مشكلتهم الرئيسية أن اقتصادهم أصبح رهينة لدوامة رأس المال الذي لا يشبع، ولكن مشكلتنا أنا لا نعلم أننا ايضا رهينة للاقتصاد الاميركي. فادعوا لهم بالتوفيق ولا تدعوا عليهم في المساجد لأن خراب النظام الاقتصادي الأميركي يعني خراب بيوت العالمين من الصينيين إلى الحوثيين.



fheadpos@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي