د. فهيد البصيري / حديث الأيام / الصراع بين الدولة والسلطة

تصغير
تكبير
| د. فهيد البصيري |

كثير من الناس لا يفرق بين الدولة وبين السلطة الحاكمة علما بأن الفرق بينهما كبير، فالدولة هي المؤسسات بدساتيرها وقوانينها، وتتجسد في الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية، والشعب ومؤسساته المدنية كالنقابات والاتحادات العمالية وغيرها، كما أن الدولة تملك الثروات والمصادر المالية وهو بيت القصيد.

ولكن مشكلة الدولة أنها كيان سياسي وذات شخصية اعتبارية أي وهمية وتتكون من أجهزة صماء لا ينقصها سوى حزب ابن حلال أو غيره لقيادتها إما إلى بر الامان أو إلى غيره.

بينما السلطة عبارة عن أشخاص يرون في أنفسهم الكفاءة لاستثمار ثروات هذه الدولة أو استنزافها وقيادة هذه الارض الصماء ومن عليها وليس المهم إلى أين؟ ولكن إلى حين.

ويقول علماء الاجتماع إن السلطة التي تتسلم قيادة أي شعب أمامها ثلاث وسائل لممارسة هذه السلطة، فإما أن تمارس سياسة قسرية وتتحول إلى سلطة استبدادية لتطويع الناس على منهجها وبحسب مزاجها في كل يوم. وهي طريقة سهلة وناجحة مادامت تمتلك القوة، لكن عواقبها وخيمة، فالمواطن سيخضع ويستكين إلى أن تحين الفرصة المناسبة لينتقم من هذا التسلط وستخلق هذه السياسة سباق تسلح بين السلطة والمواطنين إلى أن تسقط السلطة.

أما الخيار الثاني فهو ممارسة السلطة التعويضية. وهي التي تقوم على إرضاء الخواطر بالهدايا والعطايا والرشاوى مقابل اسكات المعارضين وجلب المؤيدين، وهي سياسة قد تنجح إلى حين، ولكن مشاكلها كثيرة فكل هذه العطايا والمزايا ستكون على حساب الكثير من المبادئ والاخلاق وعلى حساب الدولة والمصلحة العامة مما قد يضر الجميع في النهاية ويتسبب في انهيار السلطة.

وهناك الخيار الثالث وهي ممارسة السياسة التي تعتمد على (التلاؤمية)، وهي ليست من اللؤم ولكن المقصود هو الملاءمة. وتقوم هذه السياسة على استشارة الناس وتوطيد العلاقة معهم عبر المؤسسات الديموقراطية والاعلامية ومحاولة اقناعهم بالحلول المناسبة، والمهم هنا هو بث روح الأمن والطمأنينة لدى الشعب وطرد هاجس الخوف من الآخر أو حالة الشعور بالتربص أو التآمر التي عششت في نفوس المواطنين حتى يصل المواطن لدرجة يعتقد معها أن استخدام السلطة للقوة بعض الاحيان واجب وفضيلة وخضوع المواطنين لقوانين الدولة واجب وطني، وهي حالة لن تحقق بنسبة مئة في المئة طبعا ولكن الوصول لها ممكن بنسب عالية وعن طريق الممارسة المقنعة من السلطة بعد الرجوع واستشارة الشعب وهي ما تفعله المؤسسات البرلمانية في العالم المتحضر.

ومع أن كل الحكومات العربية تدعي أنها تستخدم الطريقة المتلائمة في السلطة إلا انها في الحقيقة تستخدم الطرق الثلاثة السابقة مجتمعة فهي تمارس التسلط على المعارضين من خلال ادواتها التنفيذية والقضائية وربما التشريعية، وتمارس السياسة التعويضية بتوزيع الهدايا والعطايا على أعوانها، وفي الجانب الأخر تفرض السياسة (التلاءمية) باستخدام آلة إعلامية جبارة للتضليل، ولزوم عمليات غسيل الدماغ المستمر لتوحي للمواطن بأنها مظلومة وبأنها هي فقط من يخضع للمواطنين ومن يلبي حوائجهم وأنها في النهاية ليست سوى أداة تنفيذية لا أكثر ولا أقل!

ويتبين أن كل الثورات التي نشاهدها اليوم هي صراع بين الدولة والسلطة، والسبب أن السلطة في كثير من الأحيان تبتلع الدولة وتصبح الدولة هي السلطة والسلطة هي الدولة، وما أكثرها في عالمنا العربي اليوم، فنحن أمة «من يتزوج أمي يصبح عمي».

 

fheadpost@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي