| د فهيد البصيري |
العالم اليوم يحبس أنفاسه لسببين: الأول هو خوفه من الكيماوي، والثاني: هو أن الحرب الدائرة في سورية قد تتسع لتشمل دولا أخرى.
والأكيد أن قوانين اللعبة في سورية قد انتهكت من قبل النظام، بعد أن شعر بأن الكفة قد ترجح لصالح الثوار، واللعبة وما فيها أن روسيا وحليفتها الصين وابنتهما إيران وقفوا وقفة رجل واحد مع نظام بشار الأسد، بينما وقف العالم الغربي موقف المشجع للثوار، وتمنوا لهم حظا طيبا في حرب لا تبقي ولا تذر، وتوجوا تمنياتهم بتصريح من هنا ومؤتمر من هناك، ومع دعم مالي وبشري على حساب إخواننا العرب فهم في النهاية لا يأمنون كثيرا من عواقب سقوط نظام بشار الأسد.
ويجب أن نتفق بأن الوضع بالنسبة للاتحاد السوفيتي هو مسألة حياة أو موت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وبالنسبة للصين هي مسألة مصلحة اقتصادية بحتة، وبالنسبة لإيران هي مسألة حياة أو موت للنظام الديني هناك، فالدوافع هنا قاتلة، وفي ظني والله أعلم، أن الرئيس السوري نفسه لم يكن يتمنى أو يتوقع أن تصل الأمور لهذا الحد، وربما كان تقديره لقوته مبالغ فيه، وهو الخطأ الذي يقع فيه كل الدكتاتوريين على مر العصور والدهور، وبعد أن سالت الدماء، وجد نفسه مكرها على مواصلة الحرب فأي تراجع أو تراخٍ يعني تخلي حلفائه عنه وتسليمه للثوار حيا يرزق، ولم يبق له من الخيارات سوى الاستمرار، فهو يحارب من أجل البقاء، وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت وفي يديك كيماوي، ولم يكن له من الكيماوي بدُ، وللأسف فعلها ولم يتردد، ولو كان لديه نووي لضرب وأفنى نصف الكرة الأرضية ليبقى هو ونظامه على قيد الحياة.
وقد يكون استخدام الكيماوي بعد الإذن من حلفائه الروس، وقد يكون بقرار من عنده بعد أن ضاقت عليه الدوائر، ولكي يضع الحلفاء أمام الأمر الواقع، فربما يتغير الموقف لديهم أو ربما يتم تدويل الأزمة.
وبالفعل كان الكيماوي نقطة تحول كبير في مسار الحرب، وقد وقف الغرب أمامها حائرا، فهو من ناحية لا يريد أن يتورط بشكل مباشر، وهو الذي لديه من المشاكل ما يكفيه، ومن ناحية أخرى لا تشكل له سورية أي أهمية اللهم إلا أنها كانت دولة محاذية لإسرائيل، وفي النهاية فإن دمارها خير من عمارها، ومع ذلك سيتدخل الغرب ولسبب وحيد هو البعد الانساني، وضغط المجتمع الدولي والعربي عليه لوقف المجازر التي ترتكب بحق الأطفال الأبرياء.
ومع ذلك سأخيب ظن كثير من المحللين السياسيين، فكل ما سيفعله الغرب هو ضرب مواقع محددة فقط لإعادة التوازن للصراع ولا أكثر ولا أقل، ومن ثم سيصمت كل شيء وتعود الحال على ما هي عليه، أما إذا فكر الغرب في إسقاط بشار وبشكل مباشر فهنا لا يمكن توقع النتائج لأن الصراع سيتسع وسيكون أكثر حدة وضراوة، فسقوط بشار يعني خروج الإيرانيين من سورية، وبالمرة سيأخذون أصحابهم من لبنان، ومن ثم سيبدأ العمل على إخراجهم من العراق، وفي النهاية ستجد طهران نفسها محاصرة، وهو أمر صعب المنال خصوصا وأن العالم العربي في حالة فوضى خلاقة.
وعموما لا داعي للخوف فالدول الكبرى أدرى بمصالحها رغما عن أنف مصالحنا، ففي النهاية سيجدون الحل السياسي المناسب الذي يحفظ حقوق الأطراف الدولية المتصارعة، وأقرب هذه الحلول هو شبيه بالحل (البلقاني) في (البوسنة والهرسك)، وهو تقسيم سورية إلى ولايات شرقية وولايات غربية، وستكون الولايات الشرقية من نصيب نظام بشار الأسد بينما ستكون الولايات الغربية من نصيب سورية الجديدة، وهنا سنكون خطونا خطوة كبيرة نحو خارطة الشرق الأوسط الجديد، والبقية في الطريق ومن سار على الدرب وصل.
fheadpost@gmail.com