| د.فهيد البصيري |
في نوفمبر من العام الماضي كتبت مقالة عنوانها «ماذا وراء الحملة على الإخوان»، وكنت استغرب فيها الهجوم على الإسلاميين مع أن الجزيرة العربية تعد مكينة التفريخ للحركات الإسلامية المتطرفة، لذا كان الأجدر أن يتم دعم الأحزاب الدينية المعتدلة لمحاربة التطرف، ولكن ما يحدث اليوم هو العكس! وهو محاربة التيارات الاسلامية المعتدلة ودفع الناس للتطرف!
ولكن الأمور في عالمنا العربي لا تسير حسب المنطق وحسب المصلحة لهذه الشعوب المغلوب على امرها، فالأمور تسير بحسب مصالح القائمين عليها، ولو احترقت الدنيا أو أم الدنيا.
وسبب ما نحن فيه اليوم من انقلاب على الإخوان المسلمين وعلى أنفسنا، هو قصة معقدة وقد بدأت مع ثورات الربيع العربي التي تريد الحرية والديموقراطية، فقد اكتشفت الشعوب حينها أنها لا تملك قاعدة فكرية او ثقافية أو أي إرث سياسي يمكن الاعتماد عليه لانتشالها من أوضاعها المتردية سوى خيار الديموقراطية والتي تمتلك بها الأحزاب الإسلامية المعتدلة كالإخوان حظا كبيرا ففازت بسهولة وهو ما حدث في مصر، وما حدث في تونس وما حدث في العراق، وما سيحدث في سورية وغيرها، فكان لابد من حركة وقائية لوأد فكر حركة الإخوان المسلمين في مهدها، لكونها الحزب السياسي والديني الوحيد الذي يمكن أن يشكل نواة ثورة، ولإحكام السيطرة في تلك الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي تم تشويش الوعي لدى الجماهير الحائرة، ودفعت بالعلمانيين والليبراليين للقيام بهذه المهمة، فلا خوف على هذه الانظمة من ثورة شيوعية أو علمانية، فهذه أحزاب تم احراقها منذ زمن بعيد، وبواسطة الاسلاميين انفسهم، أما اليوم فالدور على الديموقراطيين ولو كانوا إسلاميين.
ومن هنا نجد أن الحملة على حركة الإخوان ليس الهدف منها الإخوان بالدرجة الأولى، بل الهدف هو قطع الطريق أمام أي تفكير بالتغيير، والهدف النهائي هو القضاء على أي اصلاح سياسي ديموقراطي محتمل.
ولا عجب أن الحرب الإعلامية الشعواء على الإخوان المسلمين جاءت فجأة ودون مقدمات، لأنه من سخرية القدر أن من يستطيع حمل مشعل الديموقراطية اليوم ليست التيارات الليبرالية والعلمانية العتيدة بل حزب الإخوان المسلمين!
ولندرك عمق هذه الاستراتيجية الجهنمية، فعلينا أن نعي أن الشعوب العربية مسلمة بالفطرة، وقد وضعت أمام خيارات صعبة، فتلك الشعوب لن تقبل بأن يقودها العلمانيون والليبراليون ولو كانوا ملائكة، وفي الوقت نفسه قام عدد من الأنظمة بتشويه الثقل السياسي الوحيد والمؤمن بالديموقراطية وهو الإسلام المعتدل، وصورته ديكتاتوريا في نظرها، وهكذا ليس هناك من الحلول إلا بقاء الحال على ما هي عليه وهو المطلوب.
أقول قولي هذا وأستغفره إنني لست اخوانا.
fheadpost@gmail.com