| د. فهيد البصيري |
عندما أكتب عن مصر وأنا من الكويت فأنا لا أكتب لأن الكويت أصبحت بعراقة بريطانيا في الديموقراطية، وأن المشاكل السياسية في الكويت أصبحت غير جذابة للكتابة، بل لأن مصر هي الأم، وما يحدث في مصر سيؤثر على العالم العربي كله من محيطه إلى خليجه ومن صغيره إلى كبيره فمصر هي عمق العالم العربي وسر قوته.
والأنظمة العربية تدرك البعد الاستراتيجي لمصر، ومن هنا لم تكن المساعدات للفريق أول (السيسي) لله في الله، أو لمساعدة الاقتصاد المصري المنهار، بل هي ضمن مخطط كامل لتشكيل مصر جديدة، وبحسب الشروط المطلوبة، وسأقول لكم كيف.
وقبل أن أقول لكم كيف، أرجو من قرائي الحذر من بعض الكتاب والسياسيين والمحللين الذين لا يحللون ولا يحرمون، فحتى الكاتب الكبير صلاح منتصر لم يسلم من وهم السيسي، ففي أحد مقالته تحول الكاتب الكبير إلى ضابط عسكري استراتيجي (كسويلم) حين أصبح خبيرا انقلابيا خطيرا وصاغ في مقالته خططا عسكرية ألمعية لكيفية تفريق المتظاهرين واستئصال شأفتهم، ومفصلا التكتيكات العسكرية التي يجب اتخاذها عند القيام بهذه العملية!!
وما علينا مما يقوله بعض المندفعين أو المدفوع لهم، فالحقيقة التي لا شك فيها ولا غبار عليها، هي أن ما حدث في مصر هو انقلاب مع سبق الإصرار والترصد وهو انقلاب للأسوأ، ومهما كانت نوايا أو مطامح متظاهري 30 يونيو إلا أن نتيجة ذلك الاعتصام كان انقلابا على رئيس منتخب جاء باختيار شعبي نزيه وعبر صناديق الاقتراع، وهي آخر وسيلة توصل لها الفكر الإنساني، لكي يرضي الجميع ويحكم بين الأطراف السياسية المتناحرة.
ومع ذلك فإن هذا الانقلاب لن ينجح ولو انطبقت السماء على الأرض، وهو انقلاب مرسوم وملعوب من أطراف عدة والدعم المالي للانقلابين يأتي في هذا السياق، وتفسير ذلك مفهوم ومبرر بالنسبة لهم فأي نظام ديموقراطي مدني محافظ ولو شبه ديني في مصر المهم أنه شبه ديموقراطي، يعني خروج مصر من منظومة الفلك الأميركي ولو قليلا، ويعني تهديدا لباقي الأنظمة الفردية في المشرق العربي، ويعني تحويل المركز الاسلامي العربي من السعودية إلى مصر، وهذا يعني تحولا سياسيا كبيرا، ويهدد الاستقرار السياسي في كثير من الدول كما يهدد معادلة الصراع في سورية، بل وسيؤثر على نتائجها، وفوق كل هذا وذاك فإن نظاما ديموقراطيا ولو بشكل إسلامي في مصر سيقلب معادلة الصراع العربي الاسرائيلي.
ولهذه الاسباب هناك فلول دولية كثيرة، اضافة للفلول الداخلية في مصر، وهناك من سيخسر وضعا سياسيا مميزا، وذا جذور تاريخية في المنطقة، ولهذا وقع السيسي في الفخ وأكلها عندما وجد أن هناك أطرافا دولية كبيرة ومؤثرة ستدعمه إلى الآخر للقيام بالمهمة الصعبة، فقام بها على عجل وبمساعدة بعض القوى السياسية المصرية التي قتلها الخوف من تكرار تجربة الجمهورية الاسلامية في إيران مع أن هناك اختلافا كبيرا وكبيرا جدا بين التجربتين.
لقد فعلها السيسي رغم أن الضغط السياسي المبكر والانتخابات المبكرة لمجلس الشعب المصري كانت ستحل الكثير من المشاكل التي اثارها الرئيس مرسي وجماعته.
واليوم أوصلنا السيسي ومن لف لفيفه إلى نقطة اللاعودة، أو النقطة التي رسمها الأعداء وهي الفوضى الخلاقة، وهو المطلوب، والتي ستكون نتائجها خسارة الجميع من المحيط إلى الخليج.
Fheadpost@gmail