| د. فهيد البصيري |
الكتابة في أيام العيد، وعن فرحة العيد، أمر صعب هذه الايام، خصوصا أن من يقرأون المقالة هم من البالغين المحترمين طبعا، وليسوا من الاطفال الأبرياء، والعيد بالنسبة للبالغين يزيد الطين بلة والجيوب علة، وسر الصعوبة في الكتابة عن العيد هو تباين وجهات النظر في معناه من الناحية الدنيوية أو المادية لا الدينية لا سمح الله.
فالعيد بالنسبة للمتنبي عندما قال:
عيد بأية حال عدت يا عيدُ بما مضى أم بأمر فيه تجديدُ
هو يوم مشكوك فيه ومثير للريبة، وهل هو عيد؟ أم هو يوم جديد بأحداث جديدة وبعيدة عن العيد واليوم السعيد.
وكان شك المتنبي في محله فليس كل عيد عيداً، وقد جاء العيد بشحمه ولحمه بأمر لا يسر الأمير المعتمد بن عباد أمير اشبيلية في الاندلس فقد ضاع ملكه وُشردت بناته، وأُسر وسُجن في بقعة نائية في المغرب يقال لها أغمات، وبقي في السجن اربع سنوات بأعيادها ولكنه في أحد الأعياد نطق وقال قصيدة حزينة تصف ما هو فيه وما كان عليه ومما قال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ فساءك العيد في أغمات مأسورا
والقصيدة تُبكي (برج بيزا ) من هول الوصف، لكنني لن أكملها حتى لا أحول عيدكم إلى (لطمية) خصوصا وأن الشعوب العربية شعوب تاريخية ومغرمة باللطم على الحوادث التي تقع قبل الف سنة وأكثر.
ولكن ما ادهشني أن شاعرا بدويا بسيطا حل لغز العيد، وكيفية التعامل معه ووضعه في مكانه الصحيح بلا زيادة ولا نقصان، وهو الشاعر صقر النصافي، ففي إحدى المرات كان عائدا من العراق، و كان بصحبته ولده علي، وكان شاعرنا غفر الله له، يقوم بعملية تهريب للبضائع من العراق الكويت، وفي الطريق داهمهم العيد، وبالطبع لم يكن العيد يعني للمهربين سوى زيادة في تعقيد الامور وتضييع للوقت، فالناس مجتمعه والولائم في كل مكان والدنيا في صخب، وعندما أحس بأن الخطة الخمسية للتهريب قد تفشل قال هذه القصيدة يوصي بها ولده علي، وقد حسم فيها موضوع العيد (من الأخر) ويقول في قصيدته:
يا علي خل العيد لأم (الدناديش) اللي تفرك كل يوم جسدها
والعيد عيد الله ولو فات (حتيش) من حسبة أيام يمرك عددها
أما ترجمة هذه التحفة الشعرية لمن لا يجيد اللغة المسمارية نسبة للشاعر مسمار فهي:
يا علي دع العيد لأم (الإكسسوارات)، والتي ليس لها من هموم الدنيا سوى الذهاب للصالون لنفخ «براطمها» وسواء جاء العيد، أو مر العيد أو لم يمر فالأمر سيان لأنه ليس سوى يوم من ايام السنة التي لا تنفع إلا في حساب الأيام فقط.
وسر عبقرية الشاعر يكمن في كلمة (حتيش)، حيث يكتمل عندها معنى العيد، وترجمة كلمة (حتيش) لخريجي المدارس (الأميركانية) هي (so what)، علما بأن هذه الترجمة لا ترقى لدلالات معنى (حتيش) التي تأخذ معاني مركبة تعجز الإنجليزية عن حملها أو تحملها.
وللأمانة فإن الشاعر أوصى ولده أيضا ببعض الوصايا التي تتمنى أن تخفيها عن عدوك وعن الحكومات العربية، ولكنني سأقولها لأننا في العيد وبالمرة عيدية، حيث يكمل الشاعر ويقول:
يا علي لا جيت العرب لا تجي ديش خبل إليا جاب السوالف سردها.
وترجمتها الحرفية بلغة عيال (الديرا) هذه الايام ( ياعليوي إذا ييت الربع أو في الكوفي شب، خلك كوول ولا تصير رقله، وتخر الأكو والماكوا) وهي وصية صالحة لكل خبل في كل زمان ومكان، خصوصا من كتاب ونواب ووزراء هذه الأيام.
ومع ذلك فإن نظرة الشعراء والبالغين للعيد لن تغير نظرة الأطفال عنه، فالعيد بالنسبة للأطفال والنساء يعني الكثير، ويجب أن نتسامى على فلسفتنا في فهم السعادة والعيد، وأن نتسامى على جيوبنا وأن ندفع لهم العيدية بالتي هي أحسن، ويكفينا متعة في هذا العيد اننا سنستمتع بمشاهدة التلفزيون دون أن نضطر لكسره بسبب المسلسلات الرمضانية السخيفة التي سأعيد قضاء رمضان بسببها، وكل عام وانتم من دون مسلسلات بخير.
fheadpost@gmail.com