د. مبارك الذروة / رواق الفكر / كلنا للكويت... والكويت لنا !

تصغير
تكبير
| د. مبارك الذروة |

يذكر لنا التاريخ الإنساني سير الملوك والأمراء والخلفاء والفلاسفة والعلماء على انهم النخب الذين بنوا الحضارة واناروا العالم... لكنه لا يذكر لنا شيئا عن الزراع والصناع والحدادين والوراقين ورجال الفلك والطب وبناة العمران والمهن الصغيرة الا لمما..!

الكل يعرف ان أبراج الكويت تم بناؤها في عهد امير القلوب الشيخ جابر الأحمد رحمه الله لكن لا احد يعرف اسم المهندس الذي صممه او المقاول الذي بناه!

ادرك هذه الحقيقة بعض من رجال الفكر والأدب والإعلام وفهموا ان لا وجود لهم في التاريخ ما لم يسيروا خلف ركاب السلطة ويلتحقون بالقافلة..فالتاريخ سيذكرهم.. والعطايا لن تتعداهم...! كما أيقنوا ان أفول نجمهم وزوال تأثيرهم بات محققا اذا عصوا السلطة وخالفوا السلطان... فانضم كثير من رجال النخبة الى البلاط وتشكلت حلقات حامية عبر التاريخ حول السلطان والسلطة من قادة عسكريين وفلاسفة وعلماء دين وأدباء....وعاشوا معهم كما يراد لهم...منعمين مترفين بالمال السلطاني وبحبوحة السلطة..!

لكن فريقا آخر من النخبة رفض مهانة العيش وإذلال العلم فابتعد عن أبواب السلطان ودهاليز السلطة والتصق بالجماهير والشعب يحذر من شرعنة الباطل وتأليه السلطان... وبدأ هذا الفريق ينشر الوعي العام وينير القلوب والعقول.. فتعرض للسجن والتعذيب والطرد والفقر والتنقل من مكان لآخر...

ومع مرور الزمن تشكل في المجتمعات الانسانية نوعان من النخب... نخبة تابعة للسلطة ترى بعينيها وتسمع بأذنها وتسير وفق اتجاهها...نخبة تشتري بآيات الله ثمنا قليلا... لا تنكر منكرا ولا تأمر معروفا..! ونخبة اخرى معارضة للسلطة في الحق والمعروف وناصحة لها وملاصقة لحق الجماهير والناس تحس بآلامها وتعاني اوجاعها..!

ونشأ مع الوقت تبعا لذلك فكر جديد... وأدب معبر عن حال كل فئة..فظهرت الفنون والأشعار والرسوم الفنية والفتاوى الدينية وهكذا...!

-2-

تتحدث مصادر التاريخ من الثورة الفرنسية الى الاميركية عن صدام دام بين القديم من النبلاء ورجال الدين والاقطاع ضد الجديد من العمال والعبيد وعامة الناس بدأ يوم بدأ عند عتبات النخب الموالية والمعارضة.. وانتقلت الى الجماهير وبدأ التغيير..

فالتحول من حالة الإقطاع الزراعي التي كان ينعم بعطاياها النبلاء ورجال الدين والقادة العسكريين زالت وانتهت بقدوم الجيل الجديد من أحرار الثورة الفرنسية ونشأة الدستور..! ولو ان الصراع كان ثقافيا لهان الامر... ولكنه تجاوز ذلك ليصل الى الثروة والمال والإعلام....

فالسلطات يمكن لها ان تسيطر على نخبها الفاعلة التابعة لها من قادة فكر وعلم وأدب وأعلام... لكنها لن تتمكن من السيطرة على الجماهير الغاضبة التي ترى ثرواتها تحترق امام عينيها!

ان خطورة الثنائية الثقافية على المجتمع يأتي بسبب التباعد الفكري بين اتجاهين متناقضين من النخبة..! فالجمهور العام بطبيعة الحال سينقسم هو الاخر الى اتجاه مع او ضد تلك النخب..! وينذر بالصدام العام ولو بعد حين..!

-3-

في السنوات العشر الاخيرة ظهر عندنا نوع من الاعلام مختلف.. هو اعلام الصم! حوار من لا يسمع... هواش بهواش!! او ما يسمى حوار الطرشان..! قضية معينة يتصارع اتجاهان حولها على طرفي نقيض.. والجمهور هو الاخر ينقسم تبعا لذلك..! وهكذا مع الوقت نجد مجموعة من القضايا قد تكون مهمة وحيوية مؤثرة ينقسم المجتمع حولها تبعا للنخب الفاعلة! المشكل اليوم ان الاعلام تحول الى تغريد..! تغريدة واحدة كفيلة لإشعال نار وقودها السنة الناس... وقادرة على اصطفاف الجمهور... بل وقلب البلد واحتقانها!

-4-

ان السلطة الواعية لا تلعب بالنار مع نسيجها العام.. ولا تسعى الى تفريق صفوف شعبها..ولا تكن عوراء في أحكامها وادانتها..! والحكومة التي تريد البقاء مع ولاء جماهيرها تبتعد عن ثنائيات الثقافة المدمرة وتصادمات الفكر المعوج.. وان الانتصارات الوهمية التي تخلقها دوائر النخب المزيفة والكتاب المأجورين والسياسيين الافاكين لن يزيدها قربا من الشعب... فالشعب الكويتي يحب نظامه ويواليه.. لكنه واع ومدرك للمتكسبين حول السلطة والمتشدقين بالوطنية والهوية وكأن من يعارض سياسات الحكومة وأدائها انما يعارض الكويت!

على السلطة ان تتخلص ممن يشوه تاريخها الحاضر... وتلتصق بالشعب.. كل الشعب.. من هو معها في عملها.. او من يخالفها في إدارة شؤون البلاد.. فكلنا للكويت.. والكويت لنا..!



maltherwa@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي