كمال علي الخرس / كلمة صدق / توزيع الفقر

تصغير
تكبير
| كمال علي الخرس |

ثمانون مليون انسان في بلد كبير كمصر، مبلغ عشر مليارات دولار أو اكثر لا يمكنها سد نقص أي قطاع فيه سواء كان التعليم، او الصحة وما تشمل من مستشفيات ومعداتها ومراكز صحية، أو الطرق والمواصلات أو الإسكان، فماذا يكاد أن يفعل هذا المبلغ لهذه الدولة المهمة لأي في هذه الظروف؟

أولا، مساعدة الدول العربية بعضها لبعض وخصوصا الدعم المالي أمر محبب بل قد يكون ضروريا، ولكن الحديث هو عن كيفية وطريقة وتوقيت المساعدة، او الدعم. وهل ضخ بضعة مليارات من الدولارات من دول غنية بموارد الطاقة الى مصر يسد حاجتها ويقوّم حركة التنمية فيها؟

أحد المستشارين القانونيين المصريين كان يردد دائما أن ما يطرح من مبدأ توزيع الثروة، أي توزيع الثروة بين الدول العربية مهما كان اختلاف موارد كل واحدة منها، ما هو إلا توزيع للفقر، ويبرر المستشار المصري هذا التصور بأن الدول العربية الكبيرة بالحجم والسكان مثل مصر والسودان لا يمكن أن يكفيها ما ينكب من أموال من دول غنية بالموارد، مثل دول الخليج، وهنا سوف تتحول فكرة توزيع الثروة الى توزيع للفقر والعوز، وحتى تأخر مستوى الحالة المعيشية الفردية ومشاريع التنمية في الدول الخليجية المانحة، اذاً، في هذه الحالة ما هو البديل؟

البديل هو ان تكون المساعدات في التوقيت الصحيح وفي المكان الصحيح، وألا تكون مساعدات ظرفية ذات طابع سياسي، وأن تكون في القنوات المناسبة حتى تكون الفائدة المرجوة أكبر، فكيف يكون ذلك؟

في حالة مصر الآن وبعد عزل الرئيس مرسي، الذي تم تنحيته من قبل الجيش المصري بعد مظاهرات شعبية حاشدة ضده، تم الاعلان عن مساعدات ومنح مالية واقتصادية خليجية. ولكن مصر في هذا الوقت حاجتها الأولى استقرار سياسي ورسم خارطة طريق سياسية، فما زالت الخارطة السياسية غير واضحة وما زال هناك رئيس منتخب معزول وهو ايضا رهن الاقامة الجبرية، وخلفه تيار ناقم على الوضع الجديد، وفي مقابل ذلك قوى سياسية متنوعة وتيار شعبي لا يمكن استغفال حجمه وقوى اعلامية وقضائية تحاول رسم مسار سياسي جديد مغاير لإرث مرسي وحزبه.

المال الذي سيأتي لمصر قد يساء تفسيره، وقد يساء استعماله أيضا في هذه الفترة الانتقالية غير واضحة المعالم! فمن غير المعلوم من الجهة بالضبط التي سوف يكون لها التصرف بهذه الاموال في ظل تحولات سياسية لم تستقر على وضع واضح بعد، وقد يتحول المال الى أداة نزاع وان كانت الدول المانحة للمساعدة لا ترغب بذلك لكن التوقيت يثير قلق حتى بعض المصريين أنفسهم لأنهم أكثر حرصا على توجيه المال بالصورة الانسب.

والحقيقة الأهم ان مصر الآن مثلها مثل كثير من الدول العربية تحتاج بدرجة أكبر الى نهضة تنموية بعد ان تستقر سياسيا، وتشمل هذه النهضة المأمولة المجالات الصناعية والزراعية والاستثمار الحقيقي للموارد البشرية والطبيعية.

ما يقارب اثنين تريليون دولار أو واحد وثلث الواحد تريليون يورو، كان حجم الاموال التي تدفقت من المانيا الغربية سابقا لألمانيا الشرقية في اطار عملية التوحيد للألمانيتين حسب ما نشرته وكالة «رويترز» في تقرير لها في شهر نوفمبر لعام 2009، فهل للدول العربية الخليجية المانحة الرغبة أو القدرة لفعل ذلك مع مصر أو السودان أو غيرها. في واقع الحال يبدو ان الدول العربية المانحة عاجزة عن فعل ذلك وان رغبت وهي بنفسها تعاني أو يعاني بعضها من قصور في مشاريع التنمية، ولأن مصر وغيرها من الدول العربية الكبيرة لا يسد رمقها كم مليار من الدولارات وان عظمت هذه المبالغ، فمصر ومثيلاتها من الدول العربية تحتاج الى نهضة اقتصادية كبرى يدعمها نظام سياسي عادل ومستقر، حتى تستطيع أن تقوم على رجلها وتصطف بقامة رفيعة تناطح فيها الدول الكبرى المتطورة.





alzoor3@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي