الــعــــــار

تصغير
تكبير
عندما كانت «المجزرة» عنوان الافتتاحية السابقة المنددة بصمت المجتمع الدولي عما يجري في لبنان، لم نكن نضرب في الغيب أو نرمي الكلام في ملعب التخمين، فإسرائيل هي إسرائيل الجامعة بين الهمجية والبربرية والغباء السياسي، وأميركا هي أميركا الداعمة لكل إجرام تقوم به حليفتها الأساسية والمتسائلة دائماً: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ والمجتمع الدولي هو المجتمع الدولي المنتصر بالحديث عن قيم الحريات والمنهزم أمام الإرادة الأميركية في الوقت نفسه، والعرب هم العرب والضرب في الميت حرام... فلماذا لا تحصل المجزرة؟ نعم، المجزرة بدأت منذ اليوم الأول باستهداف إسرائيل لبنان بناسه ومرافقه، وتصاعدت مع رفض الولايات المتحدة أي دعوة لوقف إطلاق النار كي تمنح إسرائيل وقتاً لتحقيق أهدافها وانبساط الشرق الأوسط الجديد، وتحولت إلى هذيان مع الهزيمة النكراء التي مني بها جيش إسرائيل على يد مقاومين عزّل إلا من إيمانهم بالله والنصر والشهادة. سقط هدف إسرائيل في خلق فتنة داخلية لبنانية، وسقط هدفها في تدمير البنية التنظيمية والعسكرية لـ «حزب الله»، وسقط هدفها في إبعاد الصواريخ عن أراضيها، وسقط هدفها في استرجاع الجنديين المخطوفين بالقوة، وسقط هدفها في إقامة شريط أمني عازل عند حدودها. وعندما كانت تعلن يوماً بعد يوم عن هذا السقوط كانت طلائع المجزرة تتضح... كانت قانا. بين قانا الأولى وقانا الثانية عشر سنوات وعشرات الانتهاكات الإسرائيلية. تغير العالم في كل مكان إلا في جنوب لبنان. ممنوعاً كان دولياً (وربما عربياً) أن تشمخ مقاومة حقيقية وتهزم «الجيش الذي لا يقهر». ممنوعاً كان أن ينهي «السيد» أسطورة سادت لأكثر من خمسة عقود وأن يكشف أن إسرائيل استمدت قوتها من ضعفنا فقط. ممنوعاً كان أن تتحرر أرض من دون شروط وأن يرى العالم أفراد نخبة لواء «غولاني» يفرون أذلاء أمام استبسال المقاومين... غابت الممنوعات وحضرت المجازر. ومع ذلك، ستبقى قانا إكليلاً من عار على رأس العالم، ستبقى تاريخاً أسود في سجل الشرق والغرب، وستبقى الطفلة البيضاء التي سلبت قنابل أميركا «الذكية» روحها أجمل وأنقى وأطهر من النظام العالمي الجديد الذي يبدو أنه ينمو برائحة الجثث ويرتوي بدماء الأبرياء. إكليل من عار عند مبنى البيت الأبيض، وأكاليل من غار عند أضرحة شهداء قانا أسكنهم الله فسيح جناته وأمد الصامدين دائماً بقوة الحياة والنصر. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي