لـغـة جـديـدة


انتهت كما بدأت... حشود مهنئة وصخب واتهامات وفرحة وخسارة. مبروك لمن اختارتهم الامة لتمثيلها، وحسب الذين لم يحالفهم الحظ انهم احتكموا الى ارادة الناس لا الى ارادات اخرى وفازوا بالتزامهم الدستور والديموقراطية حتى لو خسروا المقعد البرلماني.
انتهت كما بدأت... لكنها انتهت، وغدا صباح جديد لا يستقيم معه الوقوف على الاطلال.
قبل ايام كانت الساحة محكومة بنحو 300 مرشح، لكننا الآن امام برلمان من خمسين عضوا.
قبل ايام كان الهجوم الصباحي والمسائي على الحكومة شغل المرشحين الشاغل لكسب اصوات او تسجيل مواقف، لكننا الآن امام سلطة تشريعية مسؤولة تشكل ركنا اساسيا من اركان النظام وجناحا لديموقراطية لا تحلق بلا جناحها الآخر.
قبل ايام كانت الازمات تخرج من دوائرها الى الشارع، لكننا الآن امام شارع يريد لمؤسساته ان تحل الازمات بعدما عبر عن رأيه بالاحتجاج تارة والتصويت طورا.
قبل ايام سادت الكيدية وروح الانتقام والتصعيد العلاقة بين السلطتين فضاعت البوصلة وصارت ردود الفعل هي السياسة، لكننا الآن امام اختبار حقيقي فاما ان تتغير العلاقة بين السلطتين في اتجاه التعاون والانجاز واما ان يفقد الكويتيون ثقتهم بمصداقية هذه العلاقة.
قبل ايام كنا امام لعبة سياسية لكننا الآن امام مرحلة تأسيسية.
وقبل ان نكمل نطرح السؤال: وماذا ينقص الكويت كي لا تكون العلاقة بين السلطتين مستقيمة؟ بل يطرح السؤال التالي نفسه: الا تستحق الكويت لغة جديدة ونهجا جديدا ومنطقا جديدا وصفحة جديدة بين السلطتين؟
الاجابات «معروفة» طبعا، فلن يقبل اي وزير او نائب او مسؤول الا تلاوة معلقات المدح في ما تحتاجه الكويت وعند التنفيذ والترجمة نعود الى ما جبلنا عليه منذ عقود بين «حزبي» المجلس والحكومة من عرقلة والتفاف وتهديد ووعيد ومنطلقات شخصية... والمشكلة ان الكثيرين لا يريدون التعلم مما جرى ولا يعرفون كيف يستفيدون من الازمات ولا يحسبون للرأي العام حسابا واضحا في مواقفهم.
انتهت كما بدأت انتخابيا... لكنها بدأت ولم تنته وطنيا. نريد لغة جديدة وصفحة جديدة ونهجا جديدا، فالحراك السياسي الذي تمثل بانخراط الشباب في الشأن العام افرز نظام رقابة شعبيا ونظام حصانة وطنيا. رقابة مباشرة من المواطنين على اداء السلطتين وحصانة تقي من استفحال الخلل بحيث يصيب الخطأ صاحبه قبل الآخرين.
ان ما افرزته الانتخابات من معطيات جديدة اهمها مشاركة المرأة (نصف المجتمع) والشباب (نصف الحاضر وكل المستقبل) بقوة غير معهودة يفرض على الجميع تغيير قواعد اللعبة التي اسرتنا منذ عقود في اطار حيوي الشكل جامد في المضمون. بمعنى آخر، آن الاوان للتخلص من حشر الكويت بين سلطتين متنافرتين كما آن الاوان لتحرير الاصلاح السياسي من سجن كبير اسمه العلاقات بين المجلس والحكومة واطلاق اكبر ورشة تحديث وتطوير بمشاركة الهيئات المدنية الفاعلة ومؤسسات المجتمع المدني.
اللغة الجديدة هي المدخل الضروري للتغيير ونأمل من السلطة الجديدة بجناحيها ان تستمع جيدا لهذه اللغة، فهي بسيطة ومباشرة وسهلة وواضحة... اما اذا تجاهلتها وفضلت ابقاء الموجة على اللغة القديمة فهذا يعني ان كل لغات الكرة الارضية عاجزة عن افهام من يجب ان يفهم أن الامور تغيرت وعقارب الساعة لا يمكن ان تعود الى الوراء.
كل انتخابات وأنتم بخير.
جاسم بودي