«كاوبوي» على حدود سورية و«حزب الله»

تصغير
تكبير
لا يعرف أحد، حقيقة، سبب تمادي الادارة الأميركية في اطلاق «قنابلها السيـاسيـة الغبيـة» ضـد سوريـة و«حـزب الله»، ولا تفسير لذلك إلا بأن تقــدم الـ «كاوبوي» السريع على الأرض يحتاج الى هذه النار العشوائية قبل أن تهدأ الأمور وتتضح الصورة وتعود السياسة الى عقالها وأجهزتها الديبلوماسية بعدما تاهت بين طائرات «الشبح» و«بي ـ 52» وداخت بين الممرات المائية في جوف الأسطول. حصل خلاف في السياسة؟ صحيح. حكم التباين في وجهات النظر مسار العلاقة الأميركية ـ السورية في ما يتعلق بالمسألة العراقية؟ أيضاً صحيح. عبّر كل طرف عن موقفه بالشكل الذي رآه مناسباً؟ أمر مشروع تجيزه الشرعية الدولية. لكن القيادة السورية، بما تختزن من حكمة وبعد نظر، استوعبت سريعاً المتغيرات التي حصلت ونجحت في الافلات من فخ «الزواج بالاكراه» مع العراق السابق الذي حاول أصحاب «الرؤوس الحامية» في الادارة الأميركية الترويج له وارسال الدعوات للاحتفال به تمهيداً لتعميم العمل العسكري. سورية غير العراق السابق و«حزب الله» غير حزب البعث العراقي الراحل. سورية اختارت التعاون مع المجتمع الدولي عن قناعة وفي اطار سيادتها ومن دون املاءات خارجية. ورغم أن موقفها قبل العمليات العسكرية وخلالها تعارض مع مواقف دول عربية وغير عربية، وذهبت تفاصيل اعلامية وسياسية هنا وهناك بعيداً في التوتر الغريب عن العلاقات التاريخية بين سورية وهذه الدول... الا أن الانصاف يقتضي التمسك بجوهر هذه العلاقات، والاستفادة مما حصل لتعزيز الروابط المستقبلية. لأسباب معروفة، أدار أصحاب الرؤوس الحامية في الادارة الأميركية حملتهم في الاتجاه السوري، وفتحوا شهية «الكاوبوي» المتقدم على الأرض، محاولين بهذا الضجيج طمس مجموعة من الحقائق أهمها أن التزام سورية الشرعية الدولية أقوى بكثير من التزام دول غربية هذه الشرعية. وأن استيعاب سورية للمتغيرات الدولية بعد انهيار المعسكر الشرقي كان أفضل بكثير من استيعاب آخرين و«أسلم» بكثير من الذين «تحوّلوا» بسرعة فتاهوا بين السيادة والهوية والهزيمة وغياب الاستقرار. وأن سورية في حرب تحرير الكويت كانت في صف العالم عسكرياً وسياسياً، وفي المفاوضات لاسترجاع الحقوق كانت، ومازالت، مع التطبيق الفعلي والحقيقي والفوري للقرارات الدولية المتعلقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي. وبعد زلزال 11 سبتمبر، وباعتراف الادارة الأميركية (أو بالأحرى عقلاء هذه الادارة) كانت سورية أكثر دولة في العالم تعاوناً مع أميركا للقضاء على الارهاب والارهابيين. أما بالنسبة لنزع أسلحة الدمار العراقيــة فسوريــة وافقـت على القـرار 1441 محققة اجماعاً قلّ نظيره في مجلس الأمن...وما عدا ذلك تفاصيل. أين «حزب الله» هنا؟ هو جزء من الصورة نفسها، صورة الخريطة لطريق بلا معالم أو هوية. صورة لشرق أوسط جديد لا مكان فيه لفصيل مقاوم أثبت انسجاماً استثنائياً في التزامه قيم الايمان والجهاد والالتزام بهدف تحرير الأرض ثم المشاركة السياسية في ادارة مقدرات بلده. «حزب الله» لم يكتسب شرعيته فقط من الاطر القانونية والادارية والشعبية في لبنان. اكتسبها بهذا العلم الشامخ الذي زرعه مقاوموه في كل موقع اسرائيلي طرد منه الغزاة، فأصبح فعل التحرير شرعية وجوده عند العرب والمسلمين وأحرار العالم. حتى ان الولايات المتحدة لم تملك الا الاعتراف بهذه الشرعية في «تفاهم ابريل» قبل ثماني سنوات. «حدث ذات مرة في الغرب» وحدث أكثر من مرة في الشرق. الـ «كاوبوي» الأصيل، أو عبر الوكيل الاسرائيلي، يعتقد أن الشعوب والأمم مختبرات لأفكاره وسياسته وعملياته الجراحية. لكن وضع سورية و«حزب الله» يختلف تماماً عن وضع العراق، قانونياً وسياسياً ودولياً وعربياً وشعبياً،واذا كان صقور الادارة الأميركية ومن «أجل حفنة امتيازات» جديدة لاسرائيل يضغطون على دوائر القرار لفتح طريق للدبابات والطائرات والصواريخ من بغداد الى دمشق، فان شظايا قصفهم العشوائي ستصيب المصداقية الأميركية والدور الأميركي ولن تحقق للادارة أي نجاح. الأجدر بمن يطالبنا بالتغيير نحو الأفضل، ونحن أدرى بشؤوننا منه، أن يتخلص أولاً من عقلية رعاة البقر الذين انتشروا في دوائر القرار على أحصنة اسرائيلية ويمينية وطائفية... وتجارية. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي