نار أخطر من غزو

تصغير
تكبير
الحرب لا تبدأ مع طلقة الرصاص، وغالبا ما تكون تلك الطلقة إعلان نهاية حرب تأمنت كل مقوماتها بالشحن والتحريض والفرقة والخلاف. ومقومات الحروب والفتن هي هي في كل زمان ومكان، تبدأ بالتعبئة المدروسة والتحركات المشبوهة وتنتهي بالافعال الخارجة على السوية الاجتماعية والانسانية، وهذه المقومات إما ان تكون عملا تنفيذيا لمخطط كبير أو عملا استدراجيا لذلك المخطط، وفي الحالتين تدفع الدول والشعوب والمجتمعات الثمن. الكويت دار أمن وأمان، وستبقى كذلك بإذن الله، لها خصوصيتها المسالمة المتحضرة ولها اسلوبها المميز في حل الخلافات بطرق راقية، عركتها التجارب ولم تغلبها، وغلبها التسامح ولم يضعفها، وخرجت قوية من اكثر الاستحقاقات خطورة. أما اليوم، فباسم اهل الكويت نسأل: إلى اين تمضي بنا هذه الحملة الطائفية؟ ومن يطفئ نارها المستعرة قبل فوات الاوان ؟ ماذا يحصل في الكويت ؟ تراشق سياسي وطائفي، ليبرالي واسلامي، بدوي وحضري، قبائلي ومدني، وغدا تراشق مذهبي، وداخل التيارات الليبرالية والاسلامية نفسها، وبين القبائل أو داخل كل قبيلة. كلنا مع حرية الرأي وحقوق الناس والجماعات، لكن الحرية لا قائم لها إذا لم تتلازم مع المسؤولية. الناس أحرار في انتقاد فلان وفلان، لكنهم ليسوا أحراراً في اسقاط النقد على الجماعات والمعتقدات الدينية ولمس الخطوط الحمر للوحدة الوطنية، وما نراه اليوم من سجالات طائفية قد يكون اخطر في تداعياته من الغزو العراقي نفسه، لاننا ضربنا المثل في التوحد امام خطر خارجي، لكننا لن نصمد امام نسمة هواء اذا دخلنا من مرحلة التصنيف الى مرحلة التفتيت، فالخطر داخلي هذه المرة والنار يشعلها بعضنا عن قصد او جهالة. والمفارقة المحزنة التي تؤشر الى غياب سن الرشد في الكويت، تكمن في ضعف مناعتنا وتأثرنا الشديد بالتطورات القريبة والبعيدة، وكأن برجي مركز التجارة العالمي فجرا عندنا، أو أن قذائف الحملة الدولية على الارهاب تسقط على ارضنا. لا ننكر اننا جزء من العالم، نتأثر به ويؤثر فينا، لكن النضج مطلوب تحديدا في ظروف النزاعات، ومن غير المسموح ونحن على ابواب العام الثاني بعد الألفية الثانية ان نشرّع الابواب لصراع الجهالات ونستورد سياسة الكهوف، ونهرب من تحديات التنمية والتقدم الى حصون التخلف. لا نريد احزابا طائفية ومذهبية، ولا احزابا مناطقية وقبائلية، نريد احزابا كويتية برامجها عصرية متطورة تضع مصلحة الكويت فوق كل اعتبار. والى ان يتحقق ذلك، لتكن الوحدة الوطنية حزبنا ودستورنا وديننا وديدننا. قد يشعل النار جاهل او حاقد او متحمس، لكن الكويتيين جميعا مسؤولون عن اطفائها، فلنفعل ذلك قبل فوات الاوان... ولتقف السلطات الرسمية موقفاً حازماً هذه المرة، فلا تقلل من شأن ما يحصل، أو تحاول استثماره في تقوية مواقعها، أو تعتقد أن استمرار سياسة "فرق تسد" سيدعم أوراقها، فالحريق لن يوفّر ورقة أو موقعاً... إذا حصل لا قدّر الله. كلنا كويتيون، وكلنا للكويت، والكويت حزب الجميع... حزب لا مكان فيه للمقامرين والمغامرين والخارجين على الوحدة الوطنية. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي