«بـــــدون» متاجرة

تصغير
تكبير
أصعب ما في قضية «البدون» ان الظلم الذي يلحق بهذه الفئة هو ظلم مركب اشترك كثيرون في وضع بصمات عليه. من البدون انفسهم، ومن قهر السياسة لهم، ومن قساوة الحياة عليهم، ومن مغامرات جار الشمال الشيطانية، ومن الرغبة في تغيير اوضاعهم، ومن تغرير البعض بهم واستخدامهم ورقة في ملفاته، الى التخبط الحكومي في معالجة قضيتهم، وابقائهم على هامش الحياة الحرة الكريمة وحرمانهم من حقوق اساسية، واسرهم في سجون التمييز الاجتماعي... كلها عوامل شكلت ما يشبه العقدة المتشابكة العصية على الحل، زادها تعقيدا، تداخل الانساني بالسياسي بالاجتماعي وحتى بالتجاري. قضية البدون قضية إنسانية أولاً وأخيراً. هم بشر ولهم الحق في العيش الحر الكريم، بعضهم كانت له مواقف متقدمة لخدمة الكويت وقدم خدمات جليلة، وكثيرون منهم فدوا تراب الوطن بدمائهم واثبتوا ان الانتماء ليس بطاقة مغلفة او جواز سفر. البدون ليسوا جزيرة منعزلة وسط محيط من الصد والرفض، فمنهم من عاش هنا منذ عشرات السنين، ومنهم من دخل النسيج الاجتماعي من باب القربى والمصاهرة، ومنهم من كان ضحية «تسييس» الاوراق الرسمية والتخبط الذي حصل في عمليتي الاحصاء والتسجيل، وهؤلاء جميعا تجب ملاقاتهم في منتصف الطريق لرفع ما بقي من حواجز امام مسيرة ايامهم، اما الذين اتخذوا من قضية البدون غطاء لتسوية اوضاعهم فهؤلاء، في الكويت وفي خارج الكويت، حكمهم القانون وفيصلهم الانظمة والتشريعات. البدون قضية انسانية اولا واخيرا، والكويت ديرة القانون والقضاء العادل، ويكفينا فخرا ان سجوننا خالية من اي معتقل سياسي او بسبب حرية الرأي والمعتقد، لذلك فالمزاودة في موضوع حقوق الانسان واستخدام قضية البدون في سجال سياسي داخلي انما هو نوع من انواع التجارة اشد ايلاما واكثر قسوة على البدون انفسهم من تعقيدات الحلول امامهم. القضية معروفة، ظروفا وملابسات وحجما، ومحاولة بعضهم تصور الكويت حزبين، واحداً يضطهد البدون ( ويُقصد به الحكومة ) وآخر يدافع عنهم ( ويُقصد به نواب ) هو أمر يتجاوز الاسفاف السياسي الى الافلاس الواضح ويكشف نيات مبكرة في الانتقام الشخصي حتى لو كان وقود ذلك الانتقام بشراً كراماً. اخطاء الحكومة لا تحملها البعارين، في قضية البدون وغيرها، لكن القضية اليوم اعقد من خلل اداري او خطأ احصائي، هي قضية انسانية لها ارتدادات على الامن القومي الكويتي سواء لجهة تأثيرها في التركيبة السكانية او لجهة اصدائها الخارجية في زمن استبدلت فيه الجيوش العالمية شعارات حقوق الانسان بالاسلحة والذخيرة. ونحن على يقين بأن من يتاجر بهذه القضية سياسيا يعرف ابعادها لكنه لا يرى ابعد من حساباته الشخصية. ونحن على يقين بأن حل هذه القضية يحتاج الى تضافر كل الجهود الحكومية والنيابية والاهلية والقانونية والتشريعية والاعلامية والى حوار جاد وصادق بين كل هذه الدوائر لتفعيل الحلول الممكنة. و «لا مانع» من اثارة القضية يوميا في مختلف المنابر لاحقاق حق من يستحق من هذه الفئة، لكن «المانع» هو في التعاطي معها على انها ورقة توظيف انتخابية يحتاج مقدمها الى «لا مانع» من هذا المسؤول او ذلك لتسقط ممانعته له في السؤال... والاعتراض. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي