لا تقرأ هذه الافتتاحية

تصغير
تكبير
ماذا يحصل؟ أب تتقاطع في احاسيسه مشاعر الغيرة والشك والكراهية فيقتل اولاده بعصير مسموم... أب يتناهى الى مسامعه صوت تكليف خارجي بانه خليفة المهدي المنتظرفيحفر قبرا ويقضي على زوجته وولديه... أب يذبح ابنته الصغيرة أمام أشقائها بعدما وسوس له الشيطان عن أخلاقها... شاب يتخاصم مع والدته فيضربها على رأسها حتى الموت ويحرق جثتها... شبان يريدون الانتقام من شاب اقام علاقة مع قريبتهم فيستدرجون شقيقته الطفلة ويفعلون بها ما يفعلون والعياذ بالله ثم ينحرونها... شاب تستبد به شهوة الشيطان فيقدم على اغتصاب طفلة ثم يخنقها خوفا من ان تتعرف عليه... وحوش بشرية تصطاد مواطنات ومقيمات، ووحوش اخرى تغتصب في مواقف سيارات الجامعة او تهتك اعراض الحوامل في غرف المستشفيات. مجرمون لا يعرفون حل الخلافات ولو على عشرة دنانير الا بالتصفية الجسدية، وآخرون لا يعرفون من التكسب الا الوجهة الحرام فيمدون فاقدي العقل والاحساس والتوازن بالمواد التي تكفل زيادة انحرافهم وخروجهم على السوية الانسانية. ماذا يحصل؟ صحيح ان الكويت لا تتفرد بكونها مسرحا لمثل هذه المصائب والبلاءات الاجتماعية فهذه امور تشهدها دول كثيرة قريبة وبعيدة، متحضرة ومتخلفة، بعضها تكشف حرية الصحافة فيه ما يحصل، وبعضها الآخر يفرض قيودا على النشر، فتبقى الجريمة قصة متداولة بين الناس. وصحيح ان الوجه الجميل للكويت، وجه الخير والإنسانية والتراحم والتواد، يطغى على أي وجه آخر قبيح. وصحيح أن مجتمعا صغيراً يستقطب مئات الالوف من العمال الوافدين لا يمكنه ضبط الظواهر الانحرافية بشكل كامل. وصحيح ان انواع الجرائم التي تحصل ستحصل ولو كان مع كل مواطن خفير لانها تتم داخل البيوت وغرف النوم... لكن ذلك كله لا ينفي ان الحوادث الامنية المتكررة تكاد تكرس نوعا من ظاهرة اجتماعية مربكة للجميع وتعكس صورة غير متحضرة على الاطلاق لمجتمع كان الى وقت قريب نموذجا في الاستقرار الامني الاجتماعي، وتكفي مقارنة احداث شهر كامل من الجرائم والتجاوزات والانحرافات السلوكية الشخصية في السبعينيات مثلا مع احداث يوم واحد من مثلها اليوم للدلالة على ما نقول ونحذر منه. ماذا يحصل؟ لسنا من هواة تضخيم الانحرافات الفردية مهما كبرت او من عشاق التركيز على الجوانب المظلمة من المشهد العام. ولسنا من اتباع نظريات المؤامرة او من الذين لا يعرفون مقاربة اي أمر الا من باب التصنيف، فلا نقول ان غالبية ما نشهده يعود الى نقص في التربية الدينية والى تكاثر مؤثرات الانحراف والترفيه غير البريء، كما يقول بعضهم، ولا الى التزمت والتعصب الديني والانغلاق، كما يقول معارضوهم، فبعض القتلة عاد لتوه من العمرة، وبعضهم الآخر غادر حفلة سكر مباشرة الى مكان جريمته، وكثيرون ازهقوا الارواح تحت تأثير المخدرات او نتيجة انحرافات نفسية ألغت قدرات التفكير والتعقل. ولسنا علماء نفس واخصائيين اجتماعيين، انما نحن كويتيون اولا واخيرا يسوؤنا ان يتعايش النشء مبكرا مع اخبار هذا الانحراف الاجتماعي بفعل ضخامته وطغيان اصدائه على غيرها من الاصداء الجميلة، فالهدم والقتل والحرب والارهاب والشتائم مغريات اعلامية بامتياز. ولسنا من الذين يختصرون الجيد بالسيئ، او يخلطون بين الارادات والامكانات، او يتجاهلون حقيقة ما قامت به الاجهزة الساهرة على امن الوطن والمواطن في مواجهتها لظاهرة الارهاب، وما قامت به السلطات المعنية وهيئات المجتمع المدني في مواجهة الظلم الذي تعرض له آلاف العمال البنغاليين وهو نوع من ارهاب انساني مورس بحقهم، فبهذا المعنى تنسجم الكويت مع كونها دولة مؤسسات نموذجية رائدة في احترام حقوق الانسان. ... ومع ذلك، نعجز حقيقة عن اقتراح تصور كامل شامل يضع حدا لانحرافات وسلوكيات شخصية، لم تستطع ارقى الدول والنظم والمبادئ والمعتقدات تحصين مجتمعاتها منها، فهي شهوة الشر الخارجة دائما على الارادات الخيّرة، شهوة الموت الجاحدة بالحياة الدنيا والآخرة، شهوة السواد المنحطة الكارهة لكل لون ابيض. لا نملك تصورا كاملا لما يمكن تسميته بثورة القيم على الجريمة والانحراف والتخلف فكل ما نقوله عن دور الاسرة والمدرسة ورفاق الطريق والمؤثرات الدينية والفكرية والسلوكية سيبدو في منطقة المواعظ التربوية لكثرة ما تكرر، لا نملك غير صوت مستنكر محذر وقلم يعبر، لا نملك سوى كويتنا التي مهما خففنا مما يحصل واعتبرناه مشتركا مع كل المجتمعات والدول الا اننا متعصبون لصورتها النقية ما امكن مع ايماننا المطلق بأن المدن الفاضلة غير موجودة. وبما أن مدخل الموضوع بشع وتفاصيله أبشع، وبما أننا لا نملك حلاً ولا نعتقد بوجود حل خارج إطار الإنسان كفرد والإنسانية كإطار... كان العنوان: . جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي