انطفاء حكومة


الآن,,, انطفأ النفط واشتعلت في مكان آخر، فأرباب السياسة في الكويت لا يعتبرون أنفسهم فاعلين إلا إذا كان لمواقفهم دوي الانفجار ولصراخهم انتشار الغبار.حادث مصفاة الأحمدي قد يكون مناسبة للحديث لكنه ليس الأساس، فالصحافة تختلف عن السياسيين في أنها تنقل ولا تصطاد، تستغل المناسبات لتكرار النصح ولا تنصح باستغلال ما يحصل في مصافي التكرير لمعارك خاصة هزيلة في حدودها وخاطئة في توقيتها.بعيداً من الانفجار والدوي والنار الممتدة في الأجواء والنفوس، بعيداً من رد الفعل (على هول ما حدث) وتوظيف المأساة في مواقف ضيقة,,, بعيداً من ذلك كله وبهدوء شديد نقول: على الحكومة أن ترحل.لا داعي لاستحضار الظروف التي تشكلت فيها الحكومة بعد حل المجلس وإعادة انتخاب مجلس جديد، ولا داعي للتذكير بأن حال المقاطعة التي سادت آنذاك وأجواء الصفقات في الكواليس أنتجت تشكيلاً غير متجانس لا يضم سوى نائب واحد، الأمر الذي أضعف منذ البداية علاقتها بالبرلمان.الحكومة لم تستطع أن تؤدي الدور المطلوب منها، وهذا الكلام لا يعيبها أو ينتقص من كفاءات مسؤولين ووزراء فيها.فشلت فشلاً ذريعاً في معالجة الوضع الاقتصادي الذي يسير من سيئ إلى أسوأ, أتخمت الكويتيين بالتصريحات والدراسات ولم تطفئ ظمأهم الى خطط تنفيذية, تخبطت في عشرات القرارات: من فرض الرسوم على الخدمات إلى التراجع عن بعضها، من قرارات مالية تتعلق بمجالات اقتصادية وحيوية ومصرفية إلى تعديلات واستثناءات وتراجعات، من تنفيذ قرارات تتعلق بالشركات وأعمالها إلى وقف التنفيذ بقوة القضاء، من الدعوة إلى وقف مخالفات المال العام إلى التسيب في تنفيذ القرار واستمرار ثغرات التلاعب بمستقبل أجيالنا,,, من إلى,,, من إلى,,, حتى ساد الاقتناع بغياب رؤية استراتيجية يولد من رحمها برنامج واضح وأدوات تنفيذية,,, أوضح.فشلت الحكومة في تمرير الرغبة الأميرية بمنح المرأة حقوقها السياسية, وهو الفشل الذي بدأت به عهدها، تاركة لصفقات وتسويات خلف ستائر الدواوين ان تعرقل خطواتها وتربكها لاحقاً.فشل وزراء كثيرون في أداء واجباتهم والارتقاء إلى مستوى المسؤولية، وأدركوا أنهم يجب أن يفسحوا في المجال لآخرين إلا أنهم تمادوا في الفشل بحكم الظروف التي أوجبت استمرارهم كمُصرّفي أعمال في وزاراتهم، فاستغلوا فرصة «الوقت الضائع» لتثبيت مواقعهم داخل القبيلة أو الدائرة عسى أن يحققوا انتخابياً ما فشلوا في تحقيقه وزارياً.وربما كان أهم فشل هو غياب القدرة على الحسم، فاللغط الدائر حول الصفقات عموماً وقضايا الدفاع خصوصاً، والتردد الذي رافق إقرار قانون الجامعات الخاصة، واتخاذ القرارات الكفيلة بفتح البلاد استثمارياً واقتصادياً، وغيرها وغيرها، كلها أمور أساءت لسمعة الكويت خارجياً وأضرت بعلاقاتها.وما زاد في ترسيخ صورة السياسات الفاشلة لدى العامة، غياب الخطاب الاعلامي الذي يفترض فيه أن يواكب ويشرح ويوظف أجهزته، في الداخل والخارج، لخدمة الكويت,,, غاب الخطاب الاعلامي ولم تستطع شعارات «المأسسة» و«الشفافية» أن تعدل حتى من صورة مطلقها.استقالة الحكومة اليوم أمر لا يعيبها، ويجب ألا تفسر على أنها هزيمة لطرف وانتصار لآخر, الاستقالة تصرف حضاري يعطي الفرصة لمن سيشكل الحكومة الجديدة باختيار الفريق المتجانس للعمل بعيداً من ضغط الزمن والتسويات التي رافقت التشكيل السابق, حكومة تضع خطة استراتيجية واضحة تقتنع هي بها أولاً، ثم تنفذها بالطريقة الصحيحة.على «بساط أحمدي»، أي ببساطة ووضوح, الكويتيون لا يريدون حكومة «ردود أفعال» همُّها إرضاء هذا الطرف أو ذاك وان جاءت العاصفة دفنت رأسها في الرمل كالنعامة.يريدون كفاءات وتجانساً ورؤية وخطة وقرارات تنفيذية.انطفأ النفط واشتعلت في مكان آخر,,, هذا صحيح، لذلك نطرح التغيير كي لا تشتعل حرائق جديدة إطفاؤها قد لا يكون بالسهولة المتوقعة.
رئيس التحرير