... ويسألونك

تصغير
تكبير
يسألونك عن انتخابات العراق، يوم وضعت قوات الاحتلال العراقيين في المحيط دفعة واحدة رغم انهم كانوا محرومين من السباحة السياسية والحركة لمدة جاوزت العقود الثلاثة، ويوم اقدم الحاكم بأمر البيت الابيض بول بن بريمر على حل الجيش والشرطة والمؤسسات العسكرية وقال للعراقي: «أمّن امنك وقوتك واستقرارك الاجتماعي ومستقبلك الديموقراطي التعددي» وسط غابة الفوضى والفلتان والارهاب، ويوم تعامل العم سام مع المواطن العراقي المحروم من ابسط حقوقه على انه غير راشد مخضعا اياه لسلسلة اختبارات بعضها غير انساني، ويوم خضعت العملية السياسية الى جراحة غير منطقية نقلت المشهد العراقي من قمة المركزية الى ارحب انواع اللامركزية والفيديرالية... ومع ذلك لا نتمنى الا مرور الاستحقاق الانتخابي بسلام ولا نراهن حقيقة إلا على الاستحقاق نفسه مدخلا للسيادة والوحدة وعودة الكاوبوي الى بلادهم. ويسألونك عن المشاركة العراقية في الانتخابات... والمصيبة ان السائل اما متعاطف مع جماعات الارهاب التي لا تعرف في الشكل كلمة مشاركة، واما منتم لاحزاب تعرف في الشكل كلمة مشاركة ولا تعرف عنها شيئا في المضمون، واما انه سياسي في دولة (عربية طبعا) لا تعرف غير الاستفتاء والتسعات الاربع، والقاسم المشترك بين الجميع قاسمان: كره للاميركيين من جهة وخوف من نجاح تجربة قيام مجتمع مدني من جهة اخرى. يسألونك عن المشاركة، قل انها الغالبية حتى لو شارك 20 في المئة من الذين يحق لهم التصويت، فهذه تقاليد جديدة على العراقيين بعد 35 عاما من الصوت الواحد واللون الواحد والحزب الواحد... والموت الواحد، 35 عاما لم يسمع فيها العراقيون سوى خطابات القائد، لم يروا غير صورته بدءا من دفاتر الدراسة والتماثيل وانتهاء باعقاب البنادق ومتون الصواريخ، لم يقرأوا غير «فرضياته التاريخية» المبررة لموجات القتل شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، حتى اذا تغيرت المعادلات نقل القائد البندقية من كتف الى اخرى فالنظام اولا وهو النظام، اما العراقيون فهم اما ابطال نشامى يسيرون في تظاهرات التأييد كالخراف ويقحمون في قوافل الحرب كالأضاحي وإما انهم خونة يستحقون الموت الفردي او الجماعي او «مقصرون ضعفاء» يستحقون قطع الايدي او الآذان ليكونوا عبرة لمن اعتبر. ويسألونك عن المشاركة، وكأن لدى العراقيين خيارا آخر غيرها، او ربما كتب على ابناء الرافدين ان يكونوا اسرى منطق الحدود الفاصلة بين نهرين، اي اما الخضوع لصوت الموت والارهاب وإما الخضوع للموت والارهاب، مع ان المنطق يفترض ان يكونوا مثل مياه الرافدين حركة دائمة واشراقا دائما وتنمية وحياة. ويسألونك، وما اكثر الاسئلة في بلد انعم الله عليه بخير وفير وانسان قدير وحضارة كبيرة... ومع ذلك شكَّل القمع والاضطهاد والديكتاتورية والاطماع التوسعية الجزء الاكبر من كوارثه، هذه الكوارث التي تحجبها وتحد منها مؤسسات سياسية منتخبة ديموقراطيا تمثل نبض شارع تواق الى السلم والتعايش والبناء والتنمية. الجواب معروف والطريق معروف مهما زرعت على جانبيه سيارات مفخخة هندستها عقول مجرمة مريضة مستفيدة من عقول «صديقة» غبية. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي