الديموقراطية بين الدوائر والمصالح

تصغير
تكبير
دارت عجلة تصريحات الاصلاح، وعلى رأسها الاصلاح السياسي، وفي قلبه تغيير النظام الانتخابي، وفي اساسه تعديل الدوائر الانتخابية. وللحق والحقيقة، لا يمكننا دفن رأسنا في الرمال وتلميع هذه التصريحات او تأييد جزء منها او تبرير أحقية هذا الاقتراح واهمية ذاك... للحق والحقيقة نقول ان كل اقتراحات تعديل الدوائر سواء أتت من الحكومة او من المجلس النيابي او من مؤسسات المجتمع المدني او منا كهيئات اعلامية وكمواطنين مرتبطة بعامل اساسي: المصلحة. الحكومة، وجريا على السياق التاريخي الذي حكم علاقتها بالمجلس، تريد لتعديل الدوائر ان يكون تكتيكا في استراتيجيتها، فحسبتها هنا لا علاقة لها بالنظام الديموقراطي بقدر ما لها من علاقة بالنظام الانتخابي، اي معرفة الموالين وتصنيف «المشاغبين»... من دون الانتقاص من حق مسؤولين حكوميين نيتهم صادقة ويرمون فعلا الى تطوير النظام السياسي. والمجلس، وجريا على السياق التاريخي الذي حكم علاقته بالحكومة، يريد لتعديل الدوائر توجيه الخزان البشري الناخب في اتجاه هذه الكتلة او تلك او هذه الشخصية او تلك, وحسبته هنا محض شخصية ومباشرة ولا علاقة لها بالشأن الوطني العام... من دون الانتقاص ايضا من حق نواب نيتهم صادقة ويرمون فعلا الى تطوير النظام السياسي. ونتحدث عن انفسنا كي لا يقال اننا نتحدث فقط عن غيرنا. نعم، فالكثيرون منا مصلحتهم في بقاء النظام الانتخابي على ما هو عليه لاسباب مناطقية ومنفعية وشخصية واقتصادية، والآخرون ايضا مصلحتهم في تعديل النظام الانتخابي للاسباب نفسها. وبين الحكومة والمجلس وعامة الناس تقف الهيئات السياسية (المعلن منها والمستتر) والجمعيات والنقابات في الموقف نفسه مهما خلصت النيات وصدقت الاقتراحات، لان الجو السياسي المصلحي العام في الكويت متجذر الى درجة يجتث معها كل المشاريع الجدية او في أضعف الاحوال يحرفها عن اهدافها بقوة الصفقات والتسويات. خمس دوائر، عشر، 25، 30 ...الخ، الامر ليس مهما لان سقف الاقتراحات معروف سلفا ومقدما. المهم اولا، أن يأخذ اي اقتراح لتعديل الدوائر في الاعتبار ان كويت القرن الماضي هي غير الكويت الحاضرة وان ما كان سليما في الماضي ليس بالضرورة ان يبقى كذلك حاضرا، وان جملة تغيرات اجتماعية وسكانية وسياسية واقتصادية حصلت لا بد من الاعتراف بها ودراستها في العمق والبناء على نتائجها. والمهم ثانيا، ان يبنى اي اقتراح لتعديل الدوائر على الغايات التالية: تعميق الوحدة الوطنية، وتذويب، ما امكن، العوامل المغذية للطائفية والقبلية والمناطقية، وتعزيز عملية التنمية البشرية والاقتصادية وجعلها الهم الاول للمؤسسات والافراد. والمهم ثالثا، ان يبنى اي اقتراح لتعديل الدوائر على التمثيل الاكبر للجمهور الناخب، ونقول الاكبر لان التمثيل المطلق غير موجود على وجه البسيطة، بمعنى ان يكون التوزيع الجديد للدوائر عادلا لجهة انعكاس التمثيل استنادا الى حجم الكثافة السكانية في كل دائرة بغض النظر عن انتماءات الناخبين القبلية والطائفية وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، ومن دون ذلك فإن تقسيم الدوائر لن تكون له اي قيمة ديموقراطية اذا لم يعكس فعليا التمثيل الشعبي نسبة الى العدد والكتل الناخبة. نقول ذلك وهو يخالف مصالحنا الخاصة، لكننا نقوله لانه لمصلحة نظامنا الديموقراطي وطريقنا للاصلاح السياسي مستقبلا. اذ ليس عدلا ان تنتخب دائرة نائبين عبر كتلة بشرية من الف صوت هي اجمالي عدد الناخبين فيما تنتخب دائرة اخرى نائبين ايضا عبر كتلة بشرية من 12 الف صوت هي اجمالي عدد الناخبين... ولن نخوض في اسباب هذا الامر ومنطلقاته لانه احد اكثر الاسرار علانية في الكويت. نعم لتعديل الدوائر... والـ «النعم» الاكبر لتعديل العقلية التي تدير تعديل الدوائر، فالديموقراطية لا تُجتزأ، والنظام الانتخابي لا يفصل على قياس الافكار والتيارات والمناطق والانساب وألوان الدماء. كلام قاس؟ لا بأس من ان نقوله نحن بمحبة وحرص واخلاص ومسؤولية حتى لا يقوله غيرنا... بوسائل أخرى! جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي