رسالة إلى القادة في قمة عمان: أعيدوا الاعتبار للانسان العربي

تصغير
تكبير
السادة قادة الدول العربية,,, تنعقد قمتكم في عمّان للمرة الأولى منذ فترة طويلة، من دون أن تكون لها صفة «الطارئة»,,, قمة تمت الدعوة اليها بطريقة هادئة وولدت هادئة، ونتمنى أن تكون خواتيمها,,, هادئة. الأمل المعقود على قمة «طبيعية» هو أن تؤسس لنظام عربي جديد وتضع قواعد صلبة لعمل مشترك, ونبدأ من هنا,,, من الأساس، والنظام، والقواعد، لنقول أن أهم انجاز يمكن أن يتوج القمة هو اتفاق كل دولة على تأسيس علاقة دستورية ديموقراطية بين نظامها وشعبها. قضايا العرب صعبة، وحالنا لا تسر أحداً. هناك فلسطين المغتصبة التي دارت قضيتها بين طريق يمر عبر الأنظمة وآخر عبر الدول المحيطة وثالث عبر «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» وصولاً الى مدريد فأوسلو,,. هناك احتلال للجولان وجزء من جنوب لبنان. هناك الغزو العراقي للكويت وما أدى اليه من رهن للمقدرات وتدمير للطاقات والثروات. هناك خلافات حدودية بالمفرق وانتهاكات لحقوق الانسان بالجملة، واتفاقات اقتصادية متعثرة ومشاريع مجمدة. وهناك «الوحدات الخائبة» والتقارب «المفخخ» والتعاون المشترك «الضائع». خيط واحد جمع بين هذه الأمور بطريقة أو بأخرى، وقد يكون «الأساس» الذي لا بد منه لعمل مؤسسي, هذا الخيط هو الغياب المطلق للمؤسسات الدستورية الحقيقية والحريات والديموقراطية وحقوق الانسان في معظم الدول العربية, هو انعدام التمثيل الصحيح للناس وضعف المشاركة حتى على مستوى الرأي, هو الحاكمية المطلقة لشخص أو لحزب وتجميل هذه الحاكمية بسلطة تنفيذية مؤتمرة وسلطة تشريعية مصطنعة وسلطة قضائية وهمية وسلطة اعلامية مسخّرة للتبجيل والتعظيم والحديث ليل نهار عن «الانجازات». الخطر الخارجي موجود, ولكن ليس جائزاً أن يصادر فرد أو نظام باسم ذلك الخطر كل مؤسسات الدولة فيختزلها بشخصه ويصبح هو الأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل، وبقاؤه من بقاء «الأمة»، واستمراره أهم من زوال الخطر الخارجي. لا نقول هذا الكلام من باب الفصل بين «الشؤون الداخلية» والعمل العربي المشترك، بل من باب الجمع, فلو كان في العراق مؤسسات سياسية حقيقية وديموقراطية واحترام لحقوق الانسان وفهم حضاري لعلاقات الجوار والعلاقات الدولية، لما أخذ «القائد المهيب» قراراً بالدخول في حروب شرقاً وغرباً وغزو جار «شقيق» مسالم، ولما دفع العراق وشعبه الثمن في غياب من يراقب ويضبط ويحاسب. ولو كان هناك دستور، في دولة أخرى، لما خاضت حروباً متعددة وعقدت «وحدات» انفرطت بالدم. ولو كان القرار للناس، لا للأجهزة، في دولة ثالثة، لما حصل تفجير هنا وارهاب هناك، دفع البلد ثمناً غالياً بنتيجتها. ولو كانت حقوق الانسان مصونة في دولة رابعة لما غابت المشاركة عن القرار وتم تعويض هذا الغياب بأجهزة الاستخبارات. ولو كانت الحياة السياسية حقيقية في دولة خامسة، لما تسلم الجيش كل دوائر السلطة، معطلاً الحياة المدنية، ومتقهقراً أمام «الخطر الخارجي» لأن السلطة اتخمته وأفسدته وجندته فقط للدفاع عن امتيازاتها وامتيازاته. الأمثلة تكثر وتطول, لذلك، أيها القادة المحترمون، أعيدوا، قبل الحديث عن العمل العربي المشترك، الاعتبار للعلاقة المشتركة بين الدولة والناس, فغياب الناس يجعل الدولة اطاراً فوقياً فارغاً من أي مضمون. وقبل الحديث عن مؤسسة القمة، أعيدوا الاعتبار للمؤسسات في دولنا، من دون الدخول في سفسطة «التجارب الخاصة» و«المنطلقات» و«الهوية»,,. وقبل الحديث عن التقارب بين الشعوب، أبعدوا العسكر والأجهزة الأمنية عن التحكم برقاب الشعوب. وعندها، نستطيع أن نواجه «الخارج» بطريقة عقلانية مرتكزة على وقائع وقدرات وحقائق لا على شعارات، ونستطيع أن نخاطب «الآخر» استناداً الى شرعية دستورية وشعبية وسياسية أكبر، ونستطيع أن نتصدى للتحديات العسكرية والسياسية والتنموية والاجتماعية بقوة عمادها المشاركة الفعلية للناس في اتخاذ القرار. السادة قادة الدول العربية آن الأوان لإعادة الاعتبار للإنسان العربي.  رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي