كيف نواجه النار... ومطلقها؟


لم تبدأ الهجمات على الأميركيين أو غيرهم من الأجانب مع اطلاق فتية النار من فوهات البنادق. الهجمات بدأت مع البناء المنظم والفعال للبنى التحتية في ركائز مؤسسة العنف والتطرف، وهو البناء الذي انطلق، للأسف الشديد، على مرأى ومسمع من الجميع بما في ذلك الجهات الحكومية.
الخطر ليس وليد اللحظة اذاً، والعمليات الأخيرة هي رأس جبل الجليد المكشوف فقط، فمن يطلق النار هم نتاج مرحلة سريعة من التغيرات في المنطقة والعالم، وأخطر ما يميزهم أنهم أفراد أو مجموعات متفرقة متناثرة، تحركهم مشاعر ملتهبة لا يمكن لجمها بسهولة، وأوامر تعطى بدم بارد من رؤوس حارة.
وكيف يكون الخطر وليد اللحظة؟ عندما حذرنا في السابق اتهمتنا الحكومة بالتصعيد والتهويل وتضخيم الأمور، وفي الذاكرة السريعة مشاهد متلاحقة عمرها ثلاثة أعوام فقط. فقبل 11 سبتمبر نشرنا عن «الجلد الصحراوي» ووجود أشخاص نصّبوا أنفسهم ولاة على الناس يأمرون ويَََنهون ويُراقبون ويلاحِقون ويحاسبون. كتبنا عن توقيف شخص كان يحاول تهريب جواز سفر كويتي باسم أسامة بن لادن، وكشفنا في تاريخ 20 يوليو 2001 وفي صدر الصفحة الأولى من «الرأي العام» أن أفرادًا بينهم سليمان أبوغيث غادروا إلى أفغانستان رافضين معترضين، واستنفرت الأجهزة الأمنية آنذاك للرد على ذلك كله ونفيه واعتباره «تضخيماً». وبعد 11 سبتمبر أجرينا استبيانا جاء فيه أن أكثر من 74 في المئة من الذين استفتوا (وهم كويتيون وغير كويتيين) يعتبرون بن لادن بطلاً.
المخلصون في الكويت حذروا ودقوا ناقوس الخطر، والقيمون على الأمر استخفوا بحجم الظاهرة وتأثيراتها، والتيارات المضادة للإسلاميين تعاملت مع الخطر القادم بالتشفي وردود الفعل ووظفته في سجال سياسي صغير أحد أطرافه الحكومة. أما أرباب «مؤسسة العنف والتطرف» فاستمروا في التصرف بطريقة مؤذية ومدمرة.
عندما عاد أصحاب فكر «الجهاد» و«التكفير» إلى البلاد من أفغانستان عُوملوا بطريقتين: مبالغة في الشدة ومبالغة في التساهل، وكأن عدوى التطرف (بوجهيه) انتقلت إلى الأجهزة الأمنية. فهناك من عُومل بقسوة من أجل أمور لم تكن تستحق ذلك المصير فازداد حقدًا وتطرفًا، وهناك من تُرك «يجاهد» بين العباد على المنابر وفي المساجد ودور العلم والمؤسسات الأهلية والرسمية، فيما كان الأجدى والأجدر، وضع الشبكة برمتها تحت نطاق السيطرة وتطويق امتداداتها، فكرًا وجماعات، منذ اليوم الأول لتحركها.
وبعد كل مصيبة، يقال إن الظاهرة محدودة، وان لا وجود لخلايا منظمة تابعة لـ «القاعدة»، وان هناك من «غُرر به»... وإذا بقينا كذلك ستكون قدراتنا لتطويق هذه الظاهرة محدودة.
أن نصل متأخرين خير من ألا نصل أبدا، وعلى الحكومة أن تدرك أنها تتعامل مع «مؤسسة» حتى لو كان بنيانها مختلفاً، ولا تتعامل مع أفراد و«أولاد». عليها أن تتصرف لا بقاعدة التساهل ولا بقاعدة الأحكام العرفية، بل بحزم أمني وجدية سياسية، وبسلاح التربية والدين لمواجهة من حمل السلاح نفسه في الوجهة الخطأ.
ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني أن وضعاً يهم الوطن برمته يقتضي خلق مناخ سياسي يكون فيه الجميع تحت مظلة الوطن.
ويعني أن وضعاً يتعلق حقيقة بمصائر الدول والمجتمعات يقتضي مشاركة حقيقية من الجميع لا اعتباره ورقة انقسام جديدة توظف في مصالح ضيقة.
ويعني أن وضعاً يسيء إلى القيم الدينية يقتضي أن يتقدم الصفوف لمواجهته علماء الدين الأفاضل المعتدلون، الذين يشبهون الكويت، وتشبههم، في ابراز الأبعاد الإنسانية للرسالة السمحاء بخيرها ونورها.
وإذا كانت المناعة ضعفت بسبب غياب المناخ السياسي اللائق وغياب المشاركة الحقيقية وانكفاء الاعتدال لمصلحة التطرف، فإن الوقت لم ينفد بعد، وعلى الجهاز التنفيذي، السياسي والأمني، استلام زمام المبادرة سريعاً حتى لا يكون الندم هو «القاعدة» الوحيدة الباقية، وحتى لا تكون النار التي أطلقت وقد تطلق لاحقاً، مصوبة إلى قلب الكويت.
رئىس التحرير