رسالة إلى الرئيس بشار الأسد


السيد الرئيس بشار الأسد
تحية الاحترام والأخوة والمصير المشترك
تحية من الكويت الى سورية عرين العروبة وصخرة الثبات وحائط الصمود ومنبر الحكمة ونبراس التعقل.
تحيـة من عــربي استشـرف ـ كمواطـن ـ تطــورات الأمــة من مواقفكـم وتشـرف ـ كإعلامي ـ بلقائكم شخصيا خلال زيارتكم الاخيرة لوطنكم الكويت، فلمس فيكم نموذجا عصـريـا لقيــادة لا تتخلى عن الثوابت ولا تحيـد عن المبـادئ، نموذجـا لزعيـم يحكم العقـل والمنطق في قراراته ولا تحكمه العاطفة، نموذجا لرئيس يقرأ التطورات الاقليمية والدولية بعين مبصرة ويحللها ببصيرة نافذة، نموذجا لمسؤول عربي ينادي بثقافة الاختلاف ويعترف بأخطاء ان وجدت ويميز- بامتياز- بين حاجات الناس وشعارات الجماهير.
يوم التقيناكم يا فخامة الرئيس، تحدثتم الينا عن الوضع العربي والعلاقات السورية - الكويتية، عن التحديات التي تواجهها سورية داخليا وخارجيا، وكانت لكم وقفة مشهودة في الموضوع اللبناني وموقف مميز خصوصا عندما تطرقنا الى موضوع الاستحقاق الرئاسي، فقلتم ان هذا الاستحقاق لبناني، وسورية تدعم اي رئيس يتفق عليه اللبنانيون... وهنا بيت قصيد رسالتي الى فخامتكم، فمن الكويت أطلقتم شعار «لبننة» الاستحقاق، ومن الكويت نستأذنكم ببعض الملاحظات حول تطبيقه.
كان لصدى حديثكم اللبناني في «الرأي العام» فعل السحر في الرأي العام اللبناني...
فهو رسالة ثقة من رئيس سوري منتصر بقوة العلاقات بين دمشق وبيروت لا على المستوى الرسمي فحسب وانما على كل المستويات الشعبية.
رسالة قوة متألقة متجددة تعطي الدليل الملموس على ان الروابط التي تجمع بين البلدين إنما مبنية على أسس حضارية، عناوينها القناعة والاقتناع والخيار الحر والقراءة السياسية السليمة للطرفين والمصلحة المشتركة والتجربة المشتركة والتضحيات المشتركة، لا على الأمن أوالخوف أو السيطرة أو الهيمنة أو الفرض أو القراءات الخاطئة والقرارات العاطفية.
رسالة بأن اللبنانيين في خيارهم واختيارهم لا يمكنهم السير عكس حركة التاريخ ولا يريدون الا التطلع لأفضل العلاقات مع سورية في زمن التكتلات والمصالح، وعلى هذا الاساس عادت الحيوية السياسية الى حرارتها، فتحرك المرشحون من مختلف التيارات وتقدموا ببرامجهم التي ما اجتمعت الا على شيء واحد هو التقدير الاساسي للعلاقة مع سورية والدعوة الى تحصينها وتطويرها والتزام التعاون معها في المواضيع الرئيسية والمصيرية من حماية ورقة المقاومة وعدم التفريط بها الى رفض اي استفراد اقليمي ودولي سلما او حربا، مرورا برفض التوطين وحماية الساحة اللبنانية من الاختراقات ضد سورية وتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية سياسيا واقتصاديا وأمنيا... كل البرامج يا فخامة الرئيس اثبتت كم كان شعاركم «لبننة» الاستحقاق مستندا الى الثقة القوية بمسار العلاقات بين سورية ولبنان ماضيا وحاضرا من جهة، والى رؤيتكم العصرية لهذه العلاقات مستقبلا.
و كان شعاركم ايضا رسالة الى العالم بأن من تتهمونه بأنه يهيمن على القرار انما هو عامل اساسي في الاستقرار بل راع رئيسي للتجربة الديموقراطية التي ميزت لبنان وجعلته ثروة سورية وعربية ودولية ونموذجا حضاريا للتعايش والتعددية رغم كل ما عصف به من انواء.
واليوم، وبعدما استبشر الجميع خيرا برسالتكم الواثقة، اذا بدمشق تصبح «مزاراً» للسياسيين اللبنانيين للتشاور في الاستحقاق الرئاسي اللبناني واذا بوزير خارجية سورية يزور قصر بعبدا لتبليغ الرئيس اللبناني الحالي الذي ستنتهي مدة ولايته خلال اسابيع رسالة تتعلق بالاستحقاق، واذا بشعار «اللبننة» الذي اطلق من بلدكم الكويت يتحول الى «السورنة» في دمشق، واذا بالعالم المتحفز المنتظر يعيش خيبة التحول.
صحيح ان الخيارات ما زالت مفتوحة، وصحيح ان المشاورات بين مسؤولي البلدين امر طبيعي في كل الامور، لكن الصحيح ايضا ان رسالة فخامتكم نفسها كانت اوضح وانقى من صورة ما يجري الآن، وان دمشق التي اعطتنا دروسا في الثبات السياسي ربما تأثرت بحملة اعلامية و«عاطفية» قادها الراغبون في تغيير الدستور اللبناني وعلى رأسهم صاحب المصلحة في ذلك، مفادها ان التمديد (او التجديد) انتصار للخط السوري وان اجراء انتخابات رئاسية كما ينص الدستورهزيمة لسورية، او ان خطا معينا يمثله اشخاص بعينهم في لبنان هو الوحيد الذي يحفظ العلاقة ويحمي المصالح، وان كل ما عداه عدو لسورية، ولا نعتقد ان قيادة كقيادتكم تعطي دروسا في الحنكة السياسية وتقف بدقة عند كل منعطف من المنعطفات في تاريخ البلدين تتأثر بمثل هذه الاهداف الموجهة ولو غلفها طابع الولاء، ففي «لبننة» الاستحقاق رصيد لبناني وعربي ودولي يضاف الى مسيرتكم، وفي «سورنته» رصيد سوري يضاف الى شخص او تيار... وموجودات تخسر لبنانيا وعربيا ودوليا.
وبين رسالة الثقة التي ارسلتموها وضعف الثقة بما يجري حاليا، ادارة اميركية تقودها مجموعة رؤوس لا هم لها سوى اختراع المبررات العدائية ضد سورية ومحور المقاومة العربية الحقيقية الذي يدور في فلكها، هذه الادارة تلقت برفعكم شعار «اللبننة» ضربة سياسية على عكس ما يفسره اصحاب المصالح والقراءات الخاطئة، والدليل ان الحديث عن تفعيل قانون «محاسبة سورية وسيادة لبنان» تراجع الى درجاته الدنيا في تلك المرحلة، وهذه الادارة ستجد امام معاكسة ارادة الغالبية العظمى من اللبنانيين والتعاطي مع الملف الرئيسي الاول في لبنان بالطريقة الحالية مبررات جديدة لحملة جديدة.
نعرف يا فخامة الرئيس ان الادارة الاميركية لا تريد حججا لحملتها، ونعرف انها تصنع الحجج لتنفيذ سياسات متطرفة لاخضاع المنطقة بحجة الارهاب، لكنكم تعرفون ايضا ماذا تريدون وكيف تواجهون وتحصنون ساحتكم تجاه ارهاب الدول الكبرى وكيف تحشدون الحجم الاكبر من الطاقات خلف مسيرة الصمود والبناء والتحديث والتطور السياسي والاقتصادي التي نأمل ويأمل كل عربي شريف ان تصل بقيادتكم الى بر الامان.
ان حرصكم على التزام اللبنانيين بدستورهم ينسجم مع رؤيتكم الاصلاحية للتحديث والتطوير بقرار ذاتي، لا بقرار يفرضه آخرون ومن دون انتقاص من اي مسؤول لبناني خدم مشكورا في موقعه بكل تفان واخلاص وعمل جاهدا على توفير الامن والاستقرار وتمسك بالثوابت الوطنية والقومية في السياسات الداخلية والخارجية.
فخامة الرئيس، عذرا على الاطالة والملاحظات، فنحن لا نتدخل في شؤون غيرنا ولا يمكن اساسا ان نكون طرفا في موضوع كهذا، انما نتحاور من منطلق الايمان بمصيرنا الواحد ومصالحنا المشتركة ومن مواقعنا كاعلاميين متابعين للشأن العربي العام، وما كنا لنفعل ذلك لو لم نلمس منكم تشجيعا دائما للمشاركة الايجابية في مختلف القضايا من موقع التحالف والاخوة والصداقة والحرص الدائم على صورة سورية ... وصوتها.
جاسم بودي