ليس كمثله تاريخ

تصغير
تكبير
في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. 25 مايو 2000، عام مضى وأعوام أخرى ستمضي ووحدها نقطة البياض الناصعة تسطع في الجباه العربية. حاربت إسرائيل وانتصرت، هُزمت وبقيت في أراضي الغير... غزت وتمددت، فاوضت وتراجعت. إلا في جنوب لبنان حيث انسحبت بلا ثمن ولا تفاوض، تلملم أذيال خيبتها من «وادي الدموع» و«مستنقع الوحول»، كما قال قادتها. المقاومون باللحم الحي يغيّرون قواعد اللعبة، يعدّون ما استطاعوا من قوة لإرهاب عدو اللّه وعدوهم وعدو الإنسانية. قوتهم إيمانهم بأن من مات دون أرضه فهو شهيد... قوتهم إيمانهم بأن من مات دون عرضه فهو شهيد... قوتهم إيمانهم بأن اللّه حق وأن الشهداء أسياد شباب أهل الجنة... غيّروا قواعد اللعبة، فالميزان العسكري المختل لمصلحة العدو عدّل بالإيمان والقوة البشرية والبأس والصمود. وللمرة الأولى تهزم «الراجمات البشرية» أعتى ترسانة مسلحة تقنياً ونووياً في الشرق الأوسط. وللمرة الأولى يتسابق المجاهدون على الاستشهاد، حاصدين عشرات الجنود الإسرائيليين. وللمرة الأولى تتفوق أجهزة المقاومة الأمنية على «الموســاد» فتختـرق وتستدرج وتنقــل «وادي الدموع» إلى الضفــة الأخرى من الحدود، فـ «أولادهم ليسوا أغلى من أولادنا» كما قال الأمين العام لـ «حزب اللّه» السيد حسن نصراللّه. إسرائيل هُزمت في جنوب لبنان وانسحابها كان اندحاراً وليـس نتيجة قرار، ومن دون أي ثمن سياسي أو أمني. انسحاب إسرائيل لم يكن طوعياً، بدليل أنه شكل زلزالاً للايديولوجيا القائمة على التوراة والأمن. فهو خروج من أرض تعتبرها الدولة العبرية جزءاً من «إسرائيل الكبرى»، وهو خروج بالقوة من أرض عربية، الأمر الذي شكّل سابقة ستتكرر في أكثر من مكان. ، فقد حوّلت المقاومة الجنوب من ورقة ضغط على لبنان إلى ورقة استنزاف لإسرائيل. ، فالشريط الحدودي في جنوب لبنان لم يكن مجرد منطقة محتلة، كان حلماً تاريخياً يعود إلى أيام مراسلات بن غوريون وموشي شاريت في الخمسينات. وسقوط هذا الحلم المزدوج: تسييج إسرائيل بشريط بشري آمن والتلاعب بالداخل اللبناني وتقسيمه، لا يعقل أن يكون نتيجة قرار طوعي بالانسحاب. بعضهم تحدث عن «قرار عبقري» إسرائيلي بالانسحاب لفك المسارين اللبناني والسوري ونقل لعبة الحرب إلى الداخل اللبناني. وبعضهم راهن على تطبيع الأوضاع تمهيداً لظهور أثمان معينة. وبعضهم أكد أن شعلة المقاومة خبت وتأثيراتها انتهت. وبعد عام، يتمسك لبنان أكثر بوحدة المسارين، وتتعمم مواجهة التطبيع في كل الدول العربية التي تطالب هيئاتها الشعبية والسياسية بوقف أي علاقة ورفض أي ثمن. وتبقى شعلة المقاومة متوهجة من خلال خمس عمليات في مزارع شبعا وأسر ثلاثة جنود إسرائيليين، وينتقل لهيبها إلى فلسطين. ليس كمثله مشهد أعلام مقاومين رفضوا أن يُعطوا «إعطاء الذليل»، ترتفع مطرزة باسم اللّه فوق مواقع محصَّنة بأطنان من الاسمنت المسلح والمصفح، وجنود يفرون فرار العبيد في غفلة من النهار، تاركين خيباتهم وهزائمهم وأسطورة جيشهم الذي لا يقهر. القواعد تغيرت، والأسطورة تغيرت، والتاريخ تغيّر في جنوب لبنان. يبقى أن يغيّر بعض العرب ما بأنفسهم. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي