العقل إن حضر

تصغير
تكبير
أما وقد انتهت قمة الخليجيين في دوحتهم وانجلى غبارها، لا بد من كلمة صادقة نابعة من العقل، ومن العقل دائماً. نقول من العقل، لأن واقعية النتائج تركت العاطفة للشارع والشعارات لـ «الجماهير» والهتافات للغوغاء. فلم يصدر قرار بـ «زحف عظيم نحو القدس» أو نحو القواعد الأميركية أو نحو الحدود الخليجية والعربية لإزالتها وإقامة الوحدة من «تحت» بعدما فشلنا في تحقيقها من «فوق». قمة التعقل تمثلت في قمة الدوحة، فالتقارب لن يستقيم بغير الاقتصاد، والموضوع العراقي لن يخرج من النفق المظلم إلا في إطار التنفيذ الفعلي والدقيق للقرارات الدولية، والأمن في المنطقة لن يستقر إلاّ إذا كان الجميع معنياً به، والحل المتاح لقضية فلسطين لن يتحرك إلا في اطار السلام، والمستقبل لن يزدهر إلاّ إذا غيرنا ما بأنفسنا. هذه العناوين الخمسة العامة حكمت قمة الدوحة وظهّرتها رؤية الأمير الشيخ حمد بن خليفة في كلمته الافتتاحية القيّمة وفي لقاءاته وتحركاته مع القادة ورؤساء الوفود، أما ترجمتها فكانت على التوالي: الاتحاد الجمركي مع مطلع العام المقبل، وعشرات الاتفاقات والمشاريع الاقتصادية للسنوات الخمس المقبلة، وكلها تخضع لآليات تنفيذية لا لمعسكرات التنظير والتمني. دعوة العراق إلى الاستفادة من «الفرصة الأخيرة» لتجنيب شعبه والمنطقة خيار الحرب، وهو أقصى ما يمكن لقمة خليجية أو عربية أو حتى أوروبية أن تقوم به استناداً إلى موازين القوى وادراكاً من كل طرف لحجمه. تضامن مع الكويت أمام خطاب «التهديد والتحريض» الذي ألقاه الرئىس العراقي صدام حسين، لا من باب المجاملة أو التنسيق، بل من باب الإيمان بأن الأمن الخليجي واحد لا يتجزأ. ويمكن القول هنا إن قمة الدوحة عام 2002 رفعت الدرع السياسي الخليجي أمام التهديدات الجديدة مثلما رفعت قمة الدوحة عام 1990 الدرع العسكري الخليجي لردع الغزو العراقي. الالتزام بالمبادرة العربية للسلام ودعوة الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لممارسة دور في وقف العربدة الإسرائىلية وبلورة قيام الدولة الفلسطينية، بعيداً عن العزف على وتر «الجماهير» و«الشعوب» و«القوة العسكرية العربية». أما عن المستقبل، وهو بيت القصيد، فركزت القمة على أمور اعتبرت دائما في الأدبيات السياسية العربية «ترفاً» واتضح لاحقا أنها الحجر الأساس للتقدم والتنمية. تحدثت القمة وكلمة أمير قطر عن التعليم والحداثة والتقنيات والمقاربة العصرية للعلوم، عن المناهج والتعاون الدولي، عن دور للقطاع الخاص في التربية والتطوير، عن تنظيم العمل في كل قطاعات العمل... وكلها أمور ستفقد واقعيتها إن هي خسرت أولويتها في القمم اللاحقة. ... وبعد، الغبار الذي أثير قبل القمة صدّه المناخ الصحي الذي التقى القادة والمسؤولون في إطاره. ولا بد من القول هنا إن منظمي هذا اللقاء ارتقوا بممارساتهم إلى مستوى أفكارهم فكان حضورهم صادقاً، واعياً، راقياً، ولا عزاء لمن يريد لمجلس التعاون الخليجي أن يلاقي المصير نفسه الذي لاقاه مجلس التعاون... العربي. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي