رسـالـة إلـى أسامــة بـن لادن

تصغير
تكبير
كتبها جاسم بودي: أتوجه إليك برسالتي هذه، أنا المواطن الذي خطفته طائراتك المتفجرة بأجساد الأبرياء وطائرات «حلفائنا» التي لم تميز بين الأشقياء والأبرياء . فللطائرات هدفان: اما النقل وإما القتل، وأنت نقلتنا من مرمى الظلم الى ميدان القتل وحشرتنا بين رقمي 11 وجعلتنا لاجئين في العراء بين برجي «الجهالة» العربية الاسلامية والغربية الأميركية ولم يعد لنا سوى هدف واحد: أن يفك الله أسرنا لنستعيد بعض التوازن. لم نر في التاريخ صاحب قضية سلم أبناء قضيته رهائن الى من يعتبرهم أعداءه، ولم نسمع من الفاعل غير تبريرات مشابهة لأي ديكتاتور الّه نفسه واعتبر الانتصار منة من الله إليه كونه «المؤمن» صاحب رسالة أما الهزيمة فسببها «كفر» الناس الذين تقاعسوا في رأيه عن الانخراط في مشروعه الجهادي نظريا (والنحر والانتحار عمليا) وعليه أصبح التقسيم الذي وضعته للعالم متطابقا مع شروطك: فسطاط الايمان ويضم من معك وفسطاط الكفر ويضم من ضدك... ولو كانوا عربا ومسلمين. منذ ثلاثة اعوام ونحن لا نسمع غير دوي الموت، في الطائرة والرصاص والاشرطة التسجيلية، وآن الاوان لتسمع صوتا آخر لا علاقة له بما تفعله أو يفعله الآخرون.صوت لا نريده ان يكون جزءا من صدى صوتك ولا جزءا من صوت البارود ضدك . قاتلت مع الاميركي ضد السوفيات في أفغانستان،بخوذته وسلاحه وصواريخه وبنادقه، واعتقدت ان الدول العظمى تنحني لإرادات الافراد مهما كانت تطلعاتهم عظمى. وعندما انهار المعسكر الشيوعي بفضل حروب باردة وساخنة على امتداد الكرة الارضية كنت وأصحابك جزءا منها (وأحيانا وقودا لها)، عشت عقدة النصر اكثر من النصر نفسه، وأدمنت صورتك الجديدة في «جبال» الجهاد فلم تستطع التعايش مع أي واقع آخر. اختصرت العالم بمذياع في كهف أو محاضرة في معسكر واختزلت العرب والمسلمين بتجربتك وصورتك وصوتك وأردت نقل الحالة «الجهادية» الأفغانية الى مكان آخر و«عدو» آخر، مستفيداً من ظلم موجود بين ظهرانينا، وقمع موجود داخل دولنا، وتخلف موجود في مؤسساتنا السياسية والحكومية، وفقر موجود داخل مجتمعاتنا وقهر موجود في علاقتنا بالآخر المتسلط الداعم لاسرائيل أسوأ كيان وأسوأ فكر. «زعيم» آخر، عاش حالته «الجهادية القومية» أراد نقلها أيضاً الى مكان آخر وعدو آخر بعد انتهاء حربه مع ايران، فغزا الكويت (وليس اسرائيل ) وفرض وجوداً عسكرياً أميركياً دائماً في الجزيرة، ثم عاد الى قصره وملجئه وحفرته، تاركاً لك «العدو» و«المكان» وكما ضيّع «المجاهد القومي» طريق فلسطين ضيعها المجاهد الديني أيضاً، فأصبح الأميركي الموجود باتفاقات، والحكومات، والمؤسسات، وحتى التجار ورجال الدين والمواطنون العاديون هم «العدو» وأصبح المدنيون في العالم هم ساحات المعركة. لم تنتقل مدن الخليج والعرب الى كابول، فلتنتقل كابول وقندهار وتورا بورا وغيرها الى تلك المدن. زحف العشرات من اتباعك على الآلاف فاستقطبوا المئات متسلحين بفكرهم وتجربتهم ووهج الانتصار على «الكفار» واليأس من واقع الحال، اكتشفوا أن الواقع غير ما في عقولهم وصدورهم وأن الحياة أكبر من كهف وأنقى وأقدس من استخدامها ميدان تجارب في حقول الآخرين، وأن المرحلة، بكل سوادها ومرارتها، يمكن أن تعيش حلولاً أخرى قائمة على البناء لا الهدم... فعادوا مرة أخرى الى الجبال لـ «الجهاد» المحلي الأفغاني وبناء قاعدتهم التي يستطيعون التعايش معها، وقرروا - وأنت على رأسهم - أن يجرّوا العالم بأسره الى المنطقة غير آبهين بأي نتيجة مادامت دنياهم داخل كهف وهم مقتنعون بأنهم «أصحاب حق» أفضل من أي دنيا في الهواء الطلق هواؤها «باطل». حددت مجموعة من 19 شخصاً مصير العرب والمسلمين، وأيقظت قدرة وفاعلية عشرات المتطرفين في «الفسطاط» الآخر وعززت حضورهم في مراكز القرار. وهاك بعض نتائج «جهادك» على العالم والعرب والمسلمين وتحديدا على من اعتبرت نفسك ورفاقك أوصياء عليهم ومقاتلين من أجلهم. تغير العالم بقوة الشعار الجديد: «من ليس معنا فهو ضدنا» وكادت تحالفات دولية كبيرة وصديقة تتهاوى من داخلها في لحظة مقاومة وفقدت مناعتها في المواجهة والتصدي. كان الوجود الأميركي المحدود في الخليج الذي فرض غالبيته «المجاهد القومي» مرتبطاً باتفاقات زمنية محددة بعضها انتهى وبعضها في الطريق، فأصبح وجوداً ضخماً لا حدود لانتشاره ولا ازمنة لاتفاقاته. كانت أفغانستان(مربط خيلك) قاعدة لما تسميه «الجهاد»، فأصبحت قاعدة عسكرية متعددة الجنسية وانكشفت البلاد على أقسى مظاهر التخلف السياسي والفقر الاجتماعي والتردي الانساني وبورصة خسائر مهولة في الارواح والممتلكات. وكان «المجاهدون» في الشيشان يستردون أنفاسهم بين فينة وأخرى من الضغط الدولي (والأميركي تحديداً) في لعبة الصراع مع موسكو، فتم منح موسكو بطاقة بيضاء لاجتياح كل المواقع بدعم أميركي يرد الجميل لموقف روسيا الداعم للحملة الدولية ضد الارهاب. وكان «المجاهدون» في كشمير يتنفسون طبيعياً من الرئة الباكستانية وصاروا يلهثون وراء التنفس الاصطناعي( اذا وجد) بعد موقف اسلام أباد الأكثر دعماً لواشنطن وموقف واشنطن الأكثر تساهلاً مع الهند. وكان «المجاهدون» في فلسطين يحركون ضمير العالم بحجر، لكن صورة المقاوم ارتبطت بالارهاب بعد «غزوتي» نيويورك وواشنطن فضاعت الضفة وكادت غزة تضيع، وأصبح «المجاهد» الفلسطيني مطارداً من دول العالم مطروداً من الدول العربية والاسلامية، وأصبح مجرم مثل شارون بطلاً مدافعاً عن الحريات في عالم ما بعد الغزوتين. وكانت الجمعيات الخيرية الاسلامية تنشر الدين والخير والقيم مع المساعدات وتحقق انجازات كبيرة في «الفسطاط الآخر» برقي وتعايش وتحضر وانسجام مع روح الاسلام وقيمه، فأصبحت مؤسسات ملاحقة مراقبة ممنوعة من العمل، دفاترها مشرعة لمحاسبي وزارة الخزانة الأميركية حيث تعلم آلاتهم الحاسبة ما فعلته أيامن الجمعيات وأياسرها. وكان الأميركيون يريدون احتلال العراق (وصدام حسين اراد ذلك اكثر منهم) لكن نظرية أسلحة الدمار ما كان ينقصها غير نظرية الخشية من وقوعها في أيدي «ارهابيي القاعدة» لاجتياح الموقف العالمي بعد 11 سبتمبر، كما ان السهولة التي تمت بها العملية وسقوط الاعتراض الدولي وغياب الغطاء الاممي والادارة الاميركية المباشرة لاحتلال العراق ما كانت ممكنة (اقله بهذا التبسيط) لولا ان عاش العالم بأسره هاجس الارهاب الذي بقي يتنقل في مساحات المدنيين. وكانت السعودية، الدولة المسلمة الاكبر وزنا في العالم، تحت مرمى نار الاعلام والمؤسسات السياسية الأميركية تدفع ثمن كون 15 من 19 قرصانا جويا سعوديين، (وهي الذريعة التي اتخذها صقور الادارة للضغط على موقف الرياض الاساسي من عمليات السلام والتسوية والحقوق العربية والاسلامية) فنقلتم النار الى مدنها قتلاً للمدنيين وتفجيراً للآمنين وآذيتم اقتصادها وحاولتم اضعاف دورها الخارجي بشغلها داخليا . وكانت تركيا التي استعادت فيها التيارات الاسلامية السلطة تقف الى جانب الرافضين للمخططات الاميركية ( في افغانستان كما في العراق) فضربتم مواقفها قبل ان تضربوا في شوارعها، وها هم الاسرائيليون في اسطنبول يشاركون رسميا في تحقيقات التفجيرات وينتزعون اعجاب السلطة والأحزاب لقدرتهم في الاكتشاف المبكر لـ «المخربين» والخلايا. وكان أصدقاء العرب والمسلمين يحاربون بعقل وديبلوماسية وحماسة ضد امتداد النفوذ الأميركي في المنطقة ففجرتم ناقلاتهم وقتلتم سياحهم، وها هم يسنون القوانين ضد المظاهر الدينية في دولهم غير آبهين لانتقاد، بل مستندين أيضاً الى ترحيب عربي واسلامي. لائحة «الانجازات» تطول، من وضع «المجاهد» في تورا بورا الى وضع المواطن المسلم العادي في أميركا وأوروبا، مروراً بتراجع قضايانا وضعف موقفنا وتخلف صورتنا واهتزاز اقتصادياتنا. يا شيخ أسامة، كما أردت نقل العرب والمسلمين وقضاياهم الى قندهار أرادت الولايات المتحدة نقل العالم كله الى مكان سقوط البرجين في نيويورك ولم تجد (ولن تجد) تاريخيا افضل مما حصل ويحصل لتسهيل مهمتها. وبين عمليات النقل والقتل، نجد أنفسنا رهائن في طائرة مخطوفة تارة يصلنا صوتكم كمضيف عبر هذه الفضائية او تلك وطورا صوت «عدوكم» كضيف. خلصت نياتكم أم ساءت، قرأنا الأحداث بشكلها الصحيح أم «سطحناها» وكنا قاصرين عن الارتقاء الى «جوهر الفكر الجهادي» الذي تنادون به، كان «الاستكبار» سيقوم بما قام به سواء فجرتم الأبراج على رؤوس المدنيين أم لم يكن... فالنتيجة واحدة وهذه لا يجادل فيها اثنان. آن الأوان، لتسمع صوت المخطوفين بعدما أدمنت أذناك سماع صوتك وصوت الخاطفين وصوت السياسيين الغربيين والمسؤولين الاستخباراتيين... آن الأوان لتستريح وتريح محتكماً الى عدالة شريعتك كما هي لا كما تريدها. الدين النصيحة... الدين النصيحة... الدين النصيحة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي