الأمير ومبارك ... اللغة الواحدة


لا يمكن لمراقب أن يستغني عن وسائل الإعلام المصرية لمتابعة ما يجري اقليميا ودوليا واستشراف الآفاق، ليس لان مصر اكبر دولة عربية وصحافتها الأعرق والأقدم فحسب بل لأن هامش الحرية فيها كان على الدوام وفي أحلك الظروف هامشا ناطقا يعبر عن نفسه بطرق مختلفة ويكرس البيئة المحيطة به منارة تنوير.
وما يلفت المتابع اليوم، ليس المساحة المعارضة للحكومة في مصر من خلال صحف يومية واسبوعية، بل حدة اللهجة وقساوتها وضراوة المعارك المخاضة بالحبر على الورق. وإن كان من تميز في ذلك فهو لا يحسب فقط للأقلام الجريئة (أو المتطرفة أحيانا) بل للنظام المصري الذي أبدى من الثقة والقوة ما يسمح له باستيعاب ذلك كله في قالب قانوني حينا وفي سياق أبوي رعوي أحيانا أخرى يدل على المسافة الواحدة التي تقف فيها القيادة من الجميع... موالين ومعارضين.
استهلال مدخل لا بد منه لمتابعي إيقاع قلب الحريات النابض، فإذا كانت الحرية في مصر بخير فهي كذلك في غير مكان، وإذا كانت العقلانية والواقعية والمسؤولية هي المظلة السياسية التي تحمي المناخ الحر فلا بد أن تلتقي القاهرة مع العواصم الأخرى السائرة على الدرب نفسه وفي الطليعة منها الكويت.
بعد التغيير الدستوري الكبير الذي حصل في مصر وسمح للمرة الأولى منذ قرون بإجراء انتخابات رئاسية تعددية، وبعد بدء ورشة العمل الداخلية الضخمة لإصلاح وتطوير كل القطاعات، وبعد التحديات الإقليمية الجسيمة التي لا تستطيع مصر إلا أن تلعب دورا رئيسيا فيها بحكم الجغرافيا والتاريخ والدور، وبعد العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان والنار التي ما زالت تشتعل من فلسطين الى العراق... يأتي اللقاء اليوم بين صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد والرئيس حسني مبارك متوجا سلسلة من اللقاءات المستمرة عبر الرسائل والمسؤولين والقنوات الثنائية الخاصة.
لم نشعر يوما ككويتيين بغربة من أي نوع مع مصر، لا بغربة سياسية ولا بغربة إعلامية ولا بغربة اقتصادية، بل على العكس من ذلك تماما، فقد كنا وما زلنا نشعر فعلا بأن «البيت بيتنا» نطرقه كلما استدعت الحاجة فلا نجد الا المساعدة والدعم والاخوة الحقيقية بعيدا من الشعارات، ونعبره في كل وقت فلا نجد الا الحفاوة الممزوجة بالاصالة والعراقة والقرابة الطبيعية.
ولان القاهرة والكويت تتشاركان في الكثير من العناصر كانت العلاقات بينهما اكثر من طبيعية، ولأن المظلة الرسمية في الدولتين هي الحامية الاساسية للحريات والديموقراطية والتعددية كان التقارب أكثر من طبيعي، ولأن الرؤية السياسية لدى القيادتين الكويتية والمصرية تتشابه في المواقف المسؤولة والعاقلة والمنطقية كان التعاون اكثر من طبيعي وكانت المشاريع المشتركة في كل المجالات تجسيدا لهذا التعاون الخلاق الذي يتمتع بأسس صلبة سواء اتى من المؤسسات الرسمية او من القطاع الخاص... ولذلك لن تصادف مشاورات صاحب السمو الأمير مع مضيفه اي مطبات شكلية او جوهرية لان الزعيمين يتحدثان لغة واحدة ويملكان الرؤية الواضحة ذاتها تجاه قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.
صباح الاحمد مع مبارك، الكويت في مصر، منارة الخليج تعبر المرفأ العربي الواسع حيث السفن ترفع اشرعتها تلقائيا لترسو على ارصفته... لقاء العقل والقلب والاخوة والاهداف المشتركة، لقاء التفاهمات المنتجة والسياسات الواقعية القابلة للترجمة، لقاء الرؤية الصافية المتسلحة بعمق شعبي كبير، لقاء اقطاب البيت الواحد المتسلحين بايمانهم بربهم وبثقة شعوبهم وبالديموقراطية مدخلا الى المشاركة الاوسع في اتخاذ القرار وتنفيذه.
واهم ما في انتفاء الغربة عن لقاء اليوم انه ينعقد في ظل اجواء حرة لم تشهد مصر مثيلا لها من قبل، فيما يدين جزء كبير من الديموقراطية في الكويت بالفضل للشيخ صباح، الامير الذي جعل الحرية منهج عمل وفتح صدره قبل بابه لسماع الرأي الآخر.
من يشرب من مياه النيل يعود ثانية إلى مصر... فكيف إذا كانت مصر لم تغادر الكويت يوما؟
جاسم بودي