الضرائب نعم ... والشراكة السياسية؟


في التنمية، في الاقتصاد، في خطط التطوير، في توصيات الهيئات الدولية المالية الكبرى، في الضرورات الواقعية... يتلازم الاصلاح الاقتصادي في الكويت مع إقرار نظام ضرائبي جديد يزيد من مسؤولية المواطنين ويحملهم اعباء جديدة ويخفف عن الدورة المالية للدولة بعض التعب والارهاق.
الضريبة ضرورة وواجب، وهي حاضرة في اكثر الدول رفاهية في العالم، بل إن الرفاهية في حد ذاتها لا تدوم الا عبر جملة عناصر تشكل الانتاجية (وبالتالي الضريبة) اساسا لها، لأن الانسان المسؤول يعمل من أجل التقدم والتطور وغير المسؤول ينتظر «تقديمات آخر الشهر». بهذا المعنى، تأخرت الدولة في مقاربة هذا الموضوع ما أدى الى سيادة قيم غير صحية على الاطلاق اضعفت حوافز العمل والانتاج، ولنعترف ان الطاقات الموجودة في الادارات المحشوة فوق قدرتها بالموظفين قليلة، وحتى الفاعل منها بدأ يتراجع وهو يرى مساواة مطلقة في التقديمات والترقيات بين من يعمل ومن لا يعمل استنادا الى عوامل كثيرة ابرزها سيادة الواسطة في دولة الرفاه.
الآن، ومع تحقيق الفائض المالي للدولة 25 مليار دولار، ومع ملامسة سعر برميل النفط سقف الخمسين دولارا، اصبح موضوع قيام نظام ضرائبي حديث عادل متطور اكثر الحاحا حتى لا تتحول قيم التواكل في المجتمع الكويتي من ظاهرة الى وباء. ولكن، ومع الحركة الاصلاحية التي تقوم بها الحكومة الحالية، اصبح التوقف عند ارتباط النظام الضرائبي القادم بالتطوير السياسي مسألة في غاية الاهمية ايضا، اذ لا يمكن واقعيا الفصل بينهما الا اذا اردنا كما تعودنا دائما دفن الرأس في الرمال.
النظام الضرائبي السليم في الكويت هو مدخل الى تطوير النظام السياسي، فكلما زادت المشاركة الشعبية في تحمل التبعات الاقتصادية وجب زيادة هذه المشاركة في تحمل التبعات السياسية .
والنظام الضرائبي السليم في الكويت هو تعميق للشراكة في المسؤولية بين مواطن وحكم، وهذه الشراكة يفترض ان تجد تعبيرا لها في المفهوم الانتخابي بحيث تتراجع معايير العصبيات (قبلية، طائفية، مناطقية ...) لتتقدم معايير المصالح الاقتصادية (برامج تنموية تشمل كل القطاعات الحيوية في الدولة والمجتمع) . بمعنى آخر يصبح النائب محكوما ببرنامج ويصبح المواطن رقيبا على ضمان تطبيقه مادام يدفع ضرائب مقابل خدمات يريد ان يتأكد من حسن تنفيذها، وتسلك العلاقة بين الطرفين مسالك مختلفة عن ما نراه حاليا من صراخ في ندوات ما بعد صلاة العشاء، صراخ لا هدف له سوى تكريس العصبيات على انواعها وتعميق مفهوم حزبي «المجلس» و«الحكومة».
والنظام الضرائبي السليم في الكويت يفترض وجود سلطة تنفيذية مرتبطة بالواقع السياسي الذي سيحدثه وغير منفصلة عنه، فهذه السلطة - واستنادا الى مبدأ تعميق الشراكة - يجب ان تتشكل من غالبية برلمانية حتى يجد الناخب فعلا من يمثله مباشرة في الحكومة ويعمل على تنفيذ البرامج التي تعهد تطبيقها، وحتى لا يعطل مفهوم الحزبية السائد حاليا بين «حكومة + محلل» من جهة وبرلمان منتخب من جهة اخرى المشاريع والخطط على قاعدة السجال السياسي الممل الذي لم تعرف الكويت غيره منذ اكثر من عقدين.
الضريبة جزء من اصلاح اقتصادي وسياسي في الوقت نفسه، وهي حق للحكومة وواجب على المواطنين تجاهها وتجاه البلد، لكن الشراكة المطلوبة لتطوير النظام السياسي تتطلب رؤية اصلاحية حضارية وجرأة وثقة ومبادرة... فهل الحكومة مستعدة فعلا لهذه الضريبة؟
جاسم بودي