ارفعوا الحصار عن شعب العراق


كل إناء بما فيه ينضح
والنظام العراقي ينضح بلغته، ولغته لا يجاريه في انحدارها أحد، وهي تليق به لا بالشعب العراقي الشقيق المغلوب على أمره.لغتنا تختلف، ولو لم تكن كذلك، لكنّا جزءاً من خطاب الغوغاء الذي أصبح صفة ملازمة لنظام بغداد والأنظمة الشبيهة.ولغتنا تختلف، لاننا لم نكن، ولن نكون، ويستحيل ان نكون، إلا مع الشعب العراقي قلباً وقالباً، لجملة عوامل أهمها التاريخ والجغرافيا والمصالح، فبعض العلاقات كالأقدار، لا تبددها محنة ولا يهزها نظام ولا يقوّض أركانها خطاب «رعاة الحرب» مهما سخّروا إعلامهم لذلك.بلغتنا، ولغتنا وحدها التي تعلمناها في الكويت، نقول: لن يهدأ البال وتستقر الحال ما دام الشعب العراقي مقهورا مكسور الجناح، محروماً من أبسط حقوقه السياسية، ومحاصرا من نظام قمعي بدّد طاقاته في حروب مع أشقاء عرب ومسلمين، وحطم إمكانات العراق وضيّع ثروته ورهن مستقبله,,, ثم جلب على العراق والعراقيين حصاراً آخر دولياً في عملية أعدها وأنتجها وأخرجها ونفذها الرئيس صدام حسين وأعضاء مجلس قيادة الثورة.لا يستطيع نظام يحاصر شعبه إلا أن يستدرج حصاراً آخر, ولا بد من القول إن من غض الطرف دولياً عن ممارسات ذلك النظام اللاإنسانية تجاه أبناء بلده وجيرانه، مغلباً خطاب المصالح على المبادئ، يتحمل مسؤولية تاريخية في تأخير ظهور مؤسسات ديموقراطية، كما يتحمل الذين أوقفوا حرب تحرير الكويت عند حدود معينة وغضوا الطرف عن مجازر الجنوب,,, مسؤولية تاريخية أىضاً، مهما تعددت المبررات.في الذكرى العاشرة لحرب تحرير الكويت، يطلق النظام العراقي ـ وبلغته الخاصة ـ سلسلة من المزاعم والاباطيل.يعلن انه يتعرض لمؤامرة أميركية ـ إسرائيلية,,, ومن يخدم إسرائيل أكثر من الذي يقمع شعبه ويصادر مقدرات بلاده!من يخدم إسرائيل أكثر من الذي يمزق اتفاقاً وقّع عليه بنفسه مع إيران، ويدخل بلاده في أتون حرب طاحنة اسقطت مئات آلاف القتلى والجرحى وضيّعت ثروات العراق، ثم يعود ويقبل بأقل من الاتفاق الذي مزقه!من يخدم إسرائيل ويثبّت الوجود الأجنبي في المنطقة أكثر من الذي انتهك كل المواثيق العربية والإسلامية والدولية وغدر بدولة شقيقة وزرع الزلازل في كل مكان!من يخدم إسرائيل أكثر من الذي شتّت الصف العربي وحاول تصدير «الثورة البعثية» بالقوة حينا (في لبنان وسورية) وبالمال أحياناً (في مختلف الدول العربية)! حتى ان الحديث عن الخلافات العربية طوال العقود الثلاثة الماضية لا يستقيم من دون ذكر العراق في صلبها.لا نريد في الذكرى العاشرة لحرب تحرير الكويت، ان نعدد ما فعله النظام العراقي، فاللائحة تطول والمجال لا يتسع.لكننا نستطيع التأكيد أن فرحة الانتصار لا تكتمل والشعب العراقي محاصر، لأن النخبة الحاكمة أفادت من الحصار ووظفته لمزيد من القمع ورهن المقدرات.ولأن الحصار يتعرض له شعب يعيش أصلا تحت خط الفقر بعدما ابتلي بحروب في كل اتجاه، ولا يتعرض له شعب يعيش في رغد ومستعد للانتفاض حفاظاً على مستوى معيشته.ولأنه حصار ـ وهذا هو الأهم ـ ضد بلد لا توجد فيه مؤسسات دستورية وسياسية أصلا، ولا يتمتع شعبه بأي نوع من أنواع الديموقراطية، سيخدم النظام الحاكم الذي يملك وحده آليات التعبير فيبني عليها خطابه السياسي ويوظف شعبه في دعايات حزبية رخيصة، ويحجب الغذاء والدواء عنه، ويخنق موارده إلى حد الموت,,, ثم يسير في جنازات الأطفال والمسنين.صحيح ان الحصار وجّه إلى النظام العراقي لا إلى الشعب.وصحيح أن النظام هو الذي سبّب هذا الحصار ولا أحد غيره.وصحيح ان اتفاق «النفط للغذاء» يسمح بسقف موارد للعراق مشابه للسقف الذي كان قبل غزو الكويت.وصحيح ان النظام العراقي لا يستفيد من السقف المتاح في الاتفاق الدولي، ويرفض المساعدات السعودية والكويتية إلى شعبه إمعاناً في خطاب الحقد.وصحيح ان النظام يحجب المواد الغذائية عن العراقيين ويبيعها في الأسواق العربية والآسيوية, وآخر تقرير للأمم المتحدة يفيد انها منحت العراق 600 مليون دولار للدواء والغذاء لم يستخدم منها سوى 80 مليونا.وصحيح ان الحصار يهدف إلى تمكين العراقيين من تغيير نظامهم.لكن الصحيح شيء والواقع شيء آخر, ولا يمكننا رهن الواقعية بالشعارات، لان الأمر يتعلق بشعب جار وشقيق، ولأن الأوان آن للبحث في وسائل أجدى لرفع الكابوس عن كاهله.لذلك، نقول، بلغة الضمير الكويتي، ، ووجهوا العقوبات مباشرة ضد النخبة الحاكمة التي سببت الويلات، فالنظام لن يسقط إلا باستهدافه مباشرة، لا باعطائه حصنا يستخدم فيه العراقيين سواتر بشرية فيتلقون هم الضربات ويجوعون بينما رأس النظام يصرف مئات الملايين على قصوره واحتفالات عيد ميلاده.ارفعوا الحصار عن شعبنا العراقي، ولتبدأ الأمم المتحدة فوراً محكمة جرائم حرب دولية تحاكم صدام حسين والمتورطين من نظامه وتلاحقهم في حلّهم وترحالهم وتتعقبهم إلى أي مكان يقصدونه خارج العراق.افتحوا «وثائق الاجرام» التي تعدت مئة الألف، والقابعة حتى الآن في أدراج الإدارة الأميركية ولجان حقوق الإنسان الدولية، ولا توظفوها في السياسة والمناورات، فضحايا النظام من زاخو إلى البصرة ومن حلبجة إلى الخفجي يستحقون اهتماماً أكبر بكثير من الاهتمام الدولي بممرضة بريطانية اعتقلت لأسباب جنائية، وبأميركي أخذ رهينة,,, بل بحوت كاد يموت قرب فنلندا.اتركوا العراق يستورد الغذاء والدواء كما يشاء، فلن يستورد أكثر مما تسمح به الأمم المتحدة حالياً بل أقل بكثير، لأنه يكتسب شرعيته من قمع الناس وتجويعهم, ولتكن هناك آلية صارمة لمراقبة تسليحه ومنعه من إعادة بنـــاء أسلـــحة دمار شامل، إلى أن يتسلم الحكم نظام عاقل يحترم شعبه ودول الجوار.العراقيون لا يحتاجون الغذاء والدواء فقط، فهم أهل خير وأهل بناء, العراقيون يحتاجون إلى الديموقراطية وحكم المؤسسات، ولو كانت هذه العوامل موجودة لما حصلت الحرب مع إيران أصلا ولا غزو الكويت ولا النكبات الأخرى.النظام العراقي يجب ان يعاقب والشعب يجب ان يتحرر، ولا مصلحة لأحد في ترك النظام يزرع الأحقاد جيلا بعد جيل، ونحن في الكويت أول من يدرك ذلك بعيداً من صخب المزايدة والمزايدين.أمس، أعلن صدام حسين انتصاره فوق انكسار العراقيين, ورغم انه وقّع على كل بنود الاستسلام إثر غزوه الغادر، إلا انه اعتبر بقاءه في السلطة هو الفوز المبين.بين عقوبات يستخدمها النظام لتجويع شعبه ومحاصرته، واطلاق يده في القمع والقهر، وبين عقوبات ضد النظام مباشرة تنتصر للعراقيين,,, نقــــول اننــــا مــع الخــــيار الثاني، بشرط أن يحترم العالم تعهداته فلا يوظف المبادئ مجدداً في خدمة المصالح.الدم العراقي أغلى من البترول العراقي.وحقوق الإنسان العراقي أغلى من عقود التسلح.فهل من صحوة ضمير؟
رئيس التحرير