كي نجني حصاد «طريق الحرير»


من العالم العربي حيث «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» إلى العالم الآسيوي حيث «لا صوت يعلو فوق صوت التنمية»، غادرنا رئيس الحكومة ويعود اليوم باتفاقات ووعود ومشاهدات وانطباعات... لعل أهمها أن الشعوب في الدول التي زارها لا تقل عنا حيوية سياسية واجتماعية لكنها تفضل رفع التحدي التنموي إلى مصاف الأولويات، فالإصلاح أولا والإصلاح أخيراً والاقتصاد المتطور هو شريان الحياة الضابط لإيقاعها والعاصم من الحروب والتوترات.
من حدودها الدنيا إلى الكبرى، تعتبر جولة الشيخ صباح ناجحة بكل المقاييس، فالمبادرات تصقل التجربة والتواصل الشخصي يعمق الخبرة، لكنها تبقى ناقصة إذا دخلت نتائجها - أو أدخلت - في العملية السياسية الكويتية التقليدية التي تفوقت بامتياز في عرقلة المشاريع وتجميدها.
في الدول الآسيوية التي زارها الشيخ صباح برلمانات وأحزاب وصحافة حرة، وفي بعضها حزب حاكم ومكتب سياسي وصحافة موجهة. في تلك الدول مشاكل داخلية لا تقارن مشاكلنا بها، فيها تعدد أعراق وجنسيات واثنيات، وفيها كل مقومات التوتر الاجتماعي من ازمات اقتصادية تصل حدود الكارثة كما حصل عام 1999 الى خلافات حدودية هنا وهناك، وبين ذلك كله تاريخ من الدم والغزوات... ومع ذلك فالحركة الوحيدة التي لا خلاف عليها هي لقطار التنمية، التنمية بمعناها التقني اي الاستفادة الامثل من الموارد، حيث اعضاء البرلمان والحكومة جنود في خدمة ذلك القطار لانه يحمل ابناءهم وابناء البلد من منطقة الى اخرى يفترض ان تكون اكثر تقدما وعدلا ورفاهية.
في الدول الآسيوية التي زارها الشيخ صباح لا يوجد «حزب الحكومة» و«حزب البرلمان» فهذه بدعة لا توجد الا في الكويت حيث تمنع الاحزاب ويرهن السجال بين الحزبين المعلنين البلاد واقتصادها وتنميتها ومشاريعها المنتجة. اما هناك فنجح عدد من الدول الصغيرة في انتزاع موقع في خريطة العالم بسبب تشريعاته المالية المرنة وجاذبية المجالات المستقطبة للاستثمارات والقوانين الملزمة والشفافية السياسية والنزاهة الادارية ... والاهم من ذلك كله الاحتشاد الوطني خلف خطط التطوير والاصلاح فلا خلافات في هذا المجال ولا اختلافات لأن المواطن خط احمر. هذا لا يعني ان المثالية هي التي تحكم دورة السياسة والاقتصاد، فالسجالات السياسية اكثر من التي تشهدها ساحتنا وقصص المحاسبة والفساد تطول حتى رؤساء الدول كما حصل قبل اعوام مع الرئيس السابق لكوريا الجنوبية، لكن هذه السجالات تنأى بنفسها عن الامور المصيرية المتعلقة بتقدم البلاد والعباد فينضم الجميع الى حزب الاصلاح الاقتصادي تاركين احزابهم الاساسية منابر للسياسة ولعبتها.
دول آسيوية فقيرة صار مستوى الدخل فيها من ارفع المستويات في العالم لانها لم تضيع وقتها في حقوق المرأة السياسية وجواز اقامة الحفلات والاختلاط .
ودول عاشت ازمات معيشية ثم تراجعت نسبة البطالة فيها الى الحدود الدنيا لان مشاريعها الكبرى لم تلجمها قضايا صغرى مثل «عدم الممانعة» والدوائر الانتخابية والفشل في الحصول على صفقة او حصة فيها.
ودول تراجعت فيها نسب التضخم من 20 في المئة الى 3 في المئة لأن استراتيجيتها الاقتصادية لم تتوقف في محطة المساومات بين البرلمان والحكومة.
ودول لم يكن فيها مصرف اجنبي صارت مركزا لكل المصارف وشركات التأمين والمال والاستثمار في العالم بسبب سياسة الانفتاح الدولية واعتبار العلاقات الخارجية المسؤولة جزءا من الامن الوطني.
رحلة الشيخ صباح نجحت خارج حدود الكويت، بقي ان تتضافر عوامل انجاحها داخل الحدود لجهة مواكبتها بتشريعات مرنة تسهل عمليات التعاون، وعدم عرقلة بعض المشاريع او تأخير اقرارها بين «معارضات» المجلس او «كتابنا وكتابكم»، وعدم ادخال الاتفاقات في دوائر البيروقراطية المعروفة التي وسمت عمل غالبية الوزارات والادارات.
رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة، و«طريق الحرير» الذي دشنه راجلا الشيخ صباح لا بد ان يتحول ورشة عمل تشمل كل السلطات والهيئات والمؤسسات حتى يتحول طريقا معبدا ارضا وبحرا وجوا بالقطارات والسفن والطائرات ومكللا بالمشاريع والاتفاقات.
قطار الشرق السريع انطلق، فهل تخرج الكويت لمرة واحدة من مقابر اللجان وكهوف البيروقراطية؟ الجواب في كيفية متابعة نتائج الجولة.
جاسم بودي