«لحظة الحقيقة» الكبرى

تصغير
تكبير
معاناة العراقيين مع نظامهم وصلت إلى نهاية النفق الطويل، وتحديات مستقبلهم بدأت. كم تمنينا لو أن التغيير كان عراقياً أو عراقياً-عربياً- دولياً جامعاً، وكم تمنينا لو جنّب الرئيس العراقي شعبه وبلده اختبار الكارثة تلو الأخرى واستجاب لنداءات المخلصين الحريصين على استقرار العراق والمنطقة، بدل استمرار تورّطه، السريع والبطيء، في سياسة الهاوية التي جرّ الجميع إليها بمغامراته وانتهاكاته وتحدياته ومصادرته البلاد والعباد في شخصه وقراراته. ويعرف العراقيون قبل غيرهم أن هذا النوع من الرؤساء بطّاش مع شعبه وجيرانه بالفعل، وعنيف مع الدول الكبرى بالكلام، وأنه سينتهي لاجئاً في سفارة روسيا أو غيرها، أو هارباً مطارداً، أو مقتولاً مسحولاً. كم تمنينا صحوة ضمير، من النظام العراقي أولاً ومن أنظمة عربية ودولية ثانياً. صحوة التزام بقضايا الأمة الحقيقية، وإنسانها في الطليعة، بدل الحسابات الخاصة الضيقة في ثياب الشعارات، والمزايدات المستمرة في القمم، والتظاهرات البائسة على الأرض. كم تمنينا موقفاً عربياً واحداً موحداً يغلق الباب أمام رياح الخارج، ويظهر أننا قادرون على تغيير ما بأنفسنا نحو الأفضل من دون حاجة لدروس الآخرين في الديموقراطية والتحضّر والتطوّر. وكم تمنينا موقفاً دولياً واحداً موحداً يضبط عملية التغيير في العراق على إيقاعات مشتركة من المبادئ والضمانات وفي إطار المظلة الدولية الجامعة، وعزاؤنا أن «الأسد البريطاني العجوز» لم يقدم أيضاً استقالته من مسؤولياته، فوجوده إلى جانب (زعيمة العالم)، بخبرته ومعرفته بتاريخ المنطقة وطبيعة مجتمعاتها، يعطي للفكر والسياسة والواقعية مساحاتها الضرورية إلى جانب القوة... والمأخوذين بها. كلام الماضي بتمنياته ومحطاته... ماضٍ، ومعاناة العراقيين في نهاية النفق، وشمس حريتهم تطل من وراء سحب البطش والقمع والتنكيل والقهر. وللمستقبل كلمة، فإما أن يحوّل العراقيون هذه اللحظات، بكل ما فيها من مرارة وخوف وغموض إلى فعل إيمان بأنهم سينطلقون من التجربة إلى نقيضها بخطى واعية ثابتة، وإما أن تأسرهم «طبائع» النظام الراحل ورهانات بعض القوى الدولية والإقليمية فيخسروا لحظة التحول التاريخية على المدى الطويل وتغلق التجربة الجديدة أبوابها على أي أمل بدولة نموذجية موحدة توظف مقدراتها وثرواتها في خدمة التنمية السياسية والاجتماعية. عراق المستقبل الذي يريده العراقيون وأشقاؤهم وأصدقاؤهم، هو العراق الموحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، عراق التعددية في إطار التكامل والتجانس لا في إطار التناقض والتنافر، عراق الحكم المدني الحديث المتطور الديموقراطي، عراق الإنسان العراقي أولاً وأخيراً، بكل ما تحمل كلمة إنسان من حقوق وواجبات، فمن لا يملك قيم الحرية لا يملك حرية القرار ولا يدرك مسؤولية الوفاق والاتفاق مع الآخرين. هذا العراق، هو الوحيد القادر على الفعل والتفاعل، وهو المطلوب من الكويت، نعم الكويت، ودول الخليج بالدرجة الأولى، أن تكون في طليعة من يساهم في إعادة إعماره بمشروع «مارشال خليجي» وفي طليعة من يستثمر في تنميته البشرية والاقتصادية والاجتماعية من أجل عائد مستقبلي أفضل على كل الصعد. أما العراق المتنافر المنقسم المتحارب مناطقياً وطائفياً على الثروة والسلطة، فهو العراق الذي أسس لظهوره النظام الحالي على قاعدة «ومن بعدي الطوفان»، ولا نخال العراقيين يطلقون النار بأيديهم على أمل هو بالنسبة إليهم مسألة حياة أو موت. معركة الصواريخ والمقاتلات والدبابات والأسلحة الذكية هي «لحظة الحقيقة» الصغرى في عملية التحوّل، أما معركة البناء والتقدم والتطور ومسح آثار عقود من خطف المقدرات والبشر، فهي أمام العراقيين وأصدقائهم، الذين سيجدون الخير بدءاً من هذا الصباح والصباحات التي تليه مهما كانت قساوة المرحلة عليهم. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي