اللبنانيون ليسوا وزير خارجيتهم


قليلة هي التصريحات التي حصرت الخطأ الذي ارتكبه وزير الخارجية اللبناني محمود حمود بناحيتيه الاجرائية والسياسية، وأقل منها القراءات التي ربطت بين هذا الموقف وبين تلازم المسارين في السياسة الخارجية للبنان وسورية المستمر والثابت منذ أكثر من عشرة أعوام. وكثيرة هي التصريحات والمواقف التي صبت جام الغضب على لبنان كمؤسسات واللبنانيين كمجتمع ودعت إلى رد فعل تجاههم يبدأ بسحب السفير وينتهي بسحب المساعدات.
اجتماع الوزراء العرب في القاهرة بدأ منقسماً بين معسكرين لكل منهما مشروعه، الأول يريده أن يؤسس لمواقف مسبقة تحكم القمة الطارئة لحسابات خاصة به سياسياً واستراتيجياً، والثاني يريده مدخلاً لاتفاق حول مبادرة يراها واقعية تطرح على القمة الطارئة وأيضاً لحسابات خاصة به سياسياً واستراتيجياً، وشاء حظ لبنان أن يكون رئيساً للدورة، وأن يكون ملتزماً أهداف المعسكر الأول بموجب تلازم المسارين، ولم يجد الوزير حمود طريقاً آخر غير الذي اعتمده، فتجاوز اللوائح وضرب هيبة الرئاسة وحياديتها مصطنعاً ثقة وهمية لا سند قانونياً لها، ربما لانعدام الخبرة أو لحسابات داخلية تتعلق بالحفاظ على منصبه في التشكيل الحكومي الجديد كون دمشق - وهذا ليس سراً - معنية بالتشكيل وبحقيبة الخارجية تحديداً.
هذه هي الحدود التي يجب أن تتم من خلالها مقاربة دور لبنان في اجتماع وزراء الخارجية، فهو تفصيل بسيط جداً أمام أهداف المعسكر العربي الجديد الذي تشكل ( أو يحاول أن يتشكل ) على مشارف حرب محتملة قد تعيد خلط الأوراق، ولكل دولة في هذا المعسكر مبرراتها الذاتية والسياسية.
اما أن نترك للغضب أن يفلت من عقاله تجاه اللبنانيين كشعب، وتجاه المساعدات كدعم لمؤسساتهم، فهو الخطأ بعينه، لأن ما يجمع الكويت ولبنان في الهوية والخصائص والدور والتطلعات والحرية والديموقراطية والتعايش، أكبر بكثير من بناء مستشفى أو تعبيد طريق، مع العلم أن المساعدات تقدم وفق رؤية حضارية كويتية موجهة، في لبنان وغيره، إلى المواطنين أصحاب المصلحة مباشرة من خلال مشاريع تنموية لا إلى الحكومات من خلال مشاريع مصلحية.
وما بين الكويت ولبنان التزام حضاري لتجربتين تتطلعان إلى مستقبل عربي واعد وعصري، وكم يفقد هذا الالتزام من قيمته عندما يحصره بعضهم بقرض أو مساعدة مالية، وكأنه بذلك يساعد من يقول «إن الكويت تشتري الصداقات ولا تبنيها».
صاحب السمو الأمير ميّز دائماً، وفي أصعب الظروف وأحلكها، بين النظام العراقي والشعب العراقي، فالكويت لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن باب أولى أن نرفض جمع اللبنانيين في سلة واحدة مع موقف لوزير، وهم الذين كانوا أول من ندد بالغزو العراقي للكويت، وقدموا درساً للعرب والعالم في مقاومة المحتل واعادة بناء ما هدمته حروب الآخرين على أرضهم، بل هم ذاقوا أيضاً مرارة الممارسات الهمجية العراقية من تفجير وتفخيخ واغتيالات، وليس آخرها ما قاله الرئيس اللبناني للوفد الاعلامي الكويتي من أنه حورب بسلاح عراقي عندما كان قائداً للجيش.
لتأخذ الحملات السياسية مداها، لتغضب دولة من وزير أو دولة، لتجادل بالمنطق والقانون واللوائح والمعطيات والوقائع، فهذه كلها حقوق سيادية للكويت وغيرها، إما أن يهبط مستوى الحملات إلى ما وصل إليه فهذا تصويب على المكان الخطأ بل هذا هو الخطأ الذي يريد لنا غيرنا أن نقع فيه.
، حتى لا نقول أكثر من ذلك.
جاسم بودي