بيدنا لا بيد بوش


في الدار البيضاء، كما في الرياض، كما في أي مكان، غداً، أو أمس... مجموعة صغيرة لكنها فاعلة، خطفت قرار الجميع، واحتكرت طريق المواجهة، وصادرت الصلاحيات، وحددت الأعداء والأصدقاء، ونصّبت نفسها ولية على المسار والمصير غير آبهة بالثمن الذي ندفعه كمجتمع، وبالنتيجة التي تحبس أنفاس الأمة المزنرة بحزام متفجر.
وكم نخطئ، وتخطئ أنظمتنا، في توصيف الإرهاب بأنه «عمل فردي شاذ»، فهو ظاهرة ممتدة من وراء المحيط إلى ما وراء الخليج، تغذي نفسها بنفسها كلما ازدادت انتشاراً و«انتحاراً»، وتتنفس عبر الحبل السري الذي يربطها برئتين: أفكار منغلقة متعصبة ظلامية لا تتوانى حتى عن إسباغ غطاء «شرعي وديني» على أعمال القتل والتفجير والتخريب، ووضع عام تعيث فيه السياسات الكبرى ظلماً ويعيش فيه العربي والمسلم حال إحباط وعجز.
من هنا، لم يعد الإرهاب عملاً فردياً. هو ظاهرة وظاهرة خطيرة، وأخطر ما فيها أن مهمة ملاحقتها وتطويقها وحصرها وضربها سلمت إلى آخرين، بدل أن نبادر نحن، أنظمة وهيئات دينية وسياسية واجتماعية إلى التصدي لها مهما كانت ارتدادات ذلك التصدي كبيرة على أنظمتنا ومجتمعاتنا.
بعضنا - للأسف الشديد - تغاضى عما يراه، وبعضنا الآخر - للأسف الأشد - ساعد في نمو الظاهرة من خلال «المسايرة» السياسية لدعوات الانغلاق الاجتماعي والديني، وكثيرون بيننا أدركوا حجم خطرها لكنهم استسهلوا «تلزيم» محاربتها للأميركيين، وكثيرون حذروا وتصدوا وحاولوا لكنهم في النتيجة كانوا الصدى البعيد لفعل ضعيف.
وحدها المعادلة التي حكمت الظاهرة انتصرت حتى الآن: اجترار الإرهاب والنمو المستمر للعلاقة بينه وبين عوامل تغذيته. وحسناً فعل ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز عندما أعلن «حرباً حاسمة» على الإرهاب أرفقها بتحذير واضح ضد «منابعه»، على قاعدة «بيدي لا بيد عمرو».
بيدنا ضرب الإرهاب لا بيد الرئيس جورج بوش، ومسؤوليتنا لا مسؤولية الأميركيين، فهم يتصدون لهذه الظاهرة في إطار الخريطة التي تخدم مصالحهم في المنطقة، والإرهابيون يخدمون أيضاً هذه المصالح. وإذا عجزنا كدول وأنظمة ومجتمعات عن التصدي الفاعل لما يجري عندنا واعتمدنا الخيار الاسهل بتأييد الاميركيين في الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ورسالة الإسلام السمحة، فنحن لا نستحق إلا العيش على إيقاع الهاجس الأمني أو الوصاية... مهما كان شكلها.
جاسم بودي