«الانتقام» ليس حلا

تصغير
تكبير
هل تحشد الولايات المتحدة العالم كله من أجل شخص؟ وإذا لم يستطع «التحالف الدولي» الجديد اصطياد هذا الشخص فهل يسلمه شهادة «شرعية دولية» توازي في حجمها حجم الحملة عليه؟ وماذا لو سقط عشرات آلاف الأبرياء في رد قد لا يكون عنوانه سوى «توازن الضحايا»؟ وماذا لو خرج من رماد العملية العسكرية مئات المستعدين لتفجير أنفسهم وتفجير الآخرين؟ بادئ ذي بدء، لا يمكن لعربي عاقل إلا أن يستنكر ويدين ما جرى في الولايات المتحدة لأسباب إنسانية ودينية ومبدئية وقومية. فالعرب ضحايا أكبر آلة إرهابية إسرائيلية يعرفون أكثر من غيرهم معنى الألم. ولا شك في أن ما حصل ولّد الكثير من مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام لدى الشعب الأميركي وإدارته السياسية، وهو أمر مفهوم ومبّرر في اللحظات الفورية التي تلت الزلزال. ولكن، لا بد من القول إن ما حدث - في حجمه ودقة تنظيمه ومدى الضرر الذي ألحقه - يجعل من حديث الانتقام المتسرع أسلوباً عاطفياً قد تكون عواقبه على المستوى العالمي لاحقاً أكبر من فوائده. فالإرهاب اليوم أصبح منظومة عالمية لها شبكات في كل القارات وتحوي تنظيمات وجماعات وأفراداً من مختلف الديانات والمذاهب والتوجهات الفكرية. بعضها ضد الغرب وزعيمته، وبعضها أميركي الجنسية والهوى، وبعضها نما وترعرع بفضل الدعم الأميركي خصوصاً أولئك الذين تتوجه أصابع الاتهام إليهم الآن فهم ما كانوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من قوة وسيطرة على أرض ودولة لولا أن استخدمتهم أميركا في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي السابق، وهم من أطلقت عليهم الصحف الأميركية يوماً اسم «أولاد الستينغر» نسبة إلى الصواريخ التي حجبتها واشنطن عن أقرب حلفائها وأهدتها لـ «المجاهدين». الرد... نعم، إنما كيف؟! الإرهاب جسد وبيئة. جسد متمثل في قيادات وتنظيمات وأفراد، وبيئة كونتها جملة عوامل وظروف بينها الشعور بالظلم والقهر والعجز وغياب العدالة الدولية المتوازنة والسياسات الخاطئة والممارسات القمعية. وبينها أيضاً وبالطبع، الانحراف والهوس والتفسير الخاطئ للأمور والخروج على السوّية الاجتماعية والإنسانية والسقوط ضحية مفاهيم متطرفة، وغسل الأدمغة... إلخ. وأميركا - وتحديداً أميركا - لا يمكنها حصر تفكيرها في الانتقام فقط من شخص أو تنظيم، فالشخص قد يصبح أشخاصاً والتنظيم قد يفرّخ تنظيمات أدهى وأخطر من الموجود حالياً. عليها، إذا أرادت بالفعل عالماً جديداً، أن تلاحق الجسد وتطّهر البيئة. الرد المطلوب يجب أن يكون تحت مظلة الأمم المتحدة لأن الإرهاب ليس محصوراً بفئة ومواجهته ليست مقتصرة على أميركا رغم هول ما حصل. وعلى الأمم المتحدة أن تحدد «شجرة الإرهاب» بجذورها «الرسمية» الضاربة في الأرض من خلال رعاية أنظمة حاكمة معينة، وبفروعها الممثلة بتنظيمات وقواعد، وبمصادر تغذيتها عسكرياً ومالياً... وكم ستبرز مفاجآت عند هذه النقطة. وبعد الاتفاق تحت مظلة الأمم المتحدة على «تحديد العدو» توضع الخطط الكفيلة بالمواجهة عسكرياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً، سواء للمتورطين مباشرة أو الذين تثبت صلتهم بالإرهاب، على أن تكون العقوبات موجهة للأنظمة. وفي تجربة الكويت درس مفيد للعالم إذ تم تحريرها تحت مظلة دولية والعقوبات التي فرضت على العراق قلّمت أظافره وإن لم تزلها، ويمكن العودة إلى هذه التجربة مع توجيهها نحو الأنظمة وإعفاء الشعوب ما أمكن من تبعاتها. والرد المطلوب من الأمم المتحدة يجب أن يرفق بوثيقة إنسانية سياسية تاريخية تعالج مناطق الظلم والتوتر في العالم وتمهد لقيام نظام دولي جديد لا يكيل بمكيالين ولا يتهرب من مسؤولياته تجاه الشعوب التي تعرضت للاحتلال والتشريد والقمع... ومسؤولية المجتمع الدولي في ضرب البيئة التي يولد من رحمها الإرهاب أكبر من مسؤوليته في ضرب أفراد وتنظيمات. العمل العسكري الفوري لإطاحة بعض الرؤوس وتحقيق نصر موقت للإدارة الأميركية يصنف في خانة الانتقام، والانتقام فقط. أما رأس الأفعى فلن يقطعه إلا تعاون دولي مدروس. قـد يكون صـدى هــذا الكلام ضعيفــاً أمام صوت طبـول الحـرب، وقد يعلو غبـار المعركة قبـل أن ينجـلي غبــار التفجيرات في أميركا. لكننــا - ونحن ضحايا الإرهاب بمختلف وجوهه - لا نملك إلا الأمل بقرارات عقلانية متزنة تكون بداية لفعل لا مجرد رد فعل. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي