كلنا خُدام الكويت


ما كان ينقصنا غير أصوات الفتنة الأخيرة، لإثبات نظرية أن بعض الكويتيين إذا لم يواجه مشكلة... بحث عنها.
ما كان ينقصنا، ونحن المجتمع المترابط المتماسك المتضامن، خصوصاً في الأزمات، إلا افتعال أزمة منطلقها أوهن من بيت عنكبوت، وردود الفعل عليها أرحب بكثير من حجمها، وكأننا - بحسن نية أو بغيرها - نعطي لبعض الأصوات الشاذة شرعية وجود وتأثير، وننسى أن هذه الأصوات منبوذة أساساً في دائرتها وبيئتها ومحيطها، ولأنها كذلك تتوجه إلى خطوط التوتر المذهبي العالي، علّ شظايا الهجوم المضاد تصيب آخرين في الدائرة نفسها، فتنجح فتنة التطرف في اقحام المعتدلين من هنا وهناك.
بوضوح وبساطة وصراحة، نتكلم عن الضجة التي أثارتها ما تسمى بهيئة خدام المهدي سواء بمنشوراتها الصفراء، أو خطاباتها المسكونة بالخلاف والاختلاف، أو بياناتها الممهورة بالحقد والفتنة.
وبوضوح وبساطة وصراحة، نتكلم أيضاً عن ردود الفعل المبالغ فيها على الهيئة المذكورة، ليختلط التنديد وواجب الحفاظ على الثوابت باللعبة السياسية الداخلية، فتوجه رسائل إلى هذا الفريق أو ذاك، ويسعى البعض إلى استخدام الاستنكار في الحشد والاستقطاب وكأن الموضوع المطروح - بحساسيته وخطورته - يسمح بالتعامل معه على غرار القضايا السجالية الأخرى بين الحكومة والبرلمان، فتتكثف الأسئلة والتصريحات والمقالات والبيانات، وربما وجدنا غداً من يدعو إلى ندوات مسائية للدفاع عن «القيم والثوابت»، إمعاناً في نقل الموضوع من إطاره المعروف ومخططه الواضح إلى إطار آخر «شعبي»... فيما الناس تقرأ وتستغرب، تسمع ولا تستوعب، تراقب وتسأل: هل نحن حقاً في الكويت؟
كما تحدثنا بوضوح نستخلص باختصار: لم تنجح الفتنة في الكويت ولن تنجح، طار البلد ولم تحصل الفتنة، كنا وسط النار الإقليمية ولم تحصل الفتنة، تعرضنا إلى مختلف الضغوط والتحديات من أشقاء وجيران وأصدقاء وأعداء ولم تحصل الفتنة... فهل تتكفل هيئة شبه وهمية بإيجاد ما عجزت الأعاصير عن إيجاده؟
الشيعة، ليسوا شيعة في الكويت، بل هم كويتيون شيعة. والسنة، ليسوا سنة في الكويت بل هم كويتيون سنة. والجميع مسلمون وطنيون عاشوا على امتداد مئات السنين معاً، وشكلوا معاً النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدولة، عمروا معاً برَّها وعبروا معاً بحرها، وتصدوا معاً لكل المخاطر التي استهدفتها.
ما يرمي إليه من يقف وراء «الهيئة» إن هو إلا «تهيؤات» مريضة لن تتجاوز حدود التفكير المريض، والقانون واضح في التعامل مع من يسيء إلى الوحدة الدينية والوطنية. فالديموقراطية والحريات شيء، واستخدام مناخهما للإساءة إلى العقائد والثوابت شيء آخر. والحكومة مطالبة بتطبيق القانون، وتحصين مناخ الاعتدال في كل المجالات بالتعاون مع الهيئات المدنية الحية في المجتمع، ومطالبة بالمبادرة إلى إخماد أي شرارة، مهما كانت باهتة، بمساعدة جميع الكويتيين، فنحن في غنى عن الفعل المتخلف وردود الفعل الصاخبة، بل نحن في غنى أساساً عن كل ما يلهينا عن تحديات التنمية وبناء المستقبل.
لا يختلف اثنان على حجم الخطأ، لكن اثنين أيضاً لا يختلفان على حجم من ارتكبه وحجم عزلته داخل الطائفة الشيعية الكريمة، التي سطرت دروساً في الوحدة والتعاون والوطنية والعروبة.
ولا يختلف اثنان على أن الدفاع عن العقيدة والثوابت واجب لا يُسأل فيه المسلم، لكننا جميعاً في الكويت متمسكون بالعقيدة والثوابت، ولا يجوز أن توقعنا هذه القضية في فخ الفرز، سواء الطائفي أو المذهبي أو القبلي أو المناطقي، أو حتى في فرز الكويتيين بين «مدافع عن العقيدة» و«متساهل معها»، فهذا الأمر ينعش التطرف في غير مكان... سواء أدرك المندفعون ذلك أم لم يدركوا.
إلى الحكومة الكويتية، طبقي القانون بقبضة موصولة بسواعد الكويتيين... جميع الكويتيين.
وإلى الكويتيين، لا خُدام الفتنة، فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.
جاسم بودي