أشهروا الأحزاب عدّلوا الدوائر


الحديث عن تغيير حكومي أو تبديل وزراء أو تدوير حقائب، جزء من «الإفلاس السياسي» الداخلي المستمر, العلة ليست في الأشخاص إنما في النظام الذي يحكم اعمالهم، والحل ليس في التغيير الدائم للوجوه وإنما في تغيير العقلية والنهج والأسلوب, وغالباً ما أدت الحلول التخديرية إلى نتائج عكسية، فازدادت الأخطاء وتراكمت المشاكل الاقتصادية وتكاثر الإحباط رغم الوعود الدائمة بـ «مصباح علاء الدين».لا نريد «المصباح» ولا مارده المنتظر، نريد العودة إلى لغة العقل في ملامسة الواقع، العودة الى أصل المشكلة حتى نعالجه ونتطلع الى ضوء في نهاية النفق.مباشرة، العلة تكمن في مدى مواءمة دستور 1962 للتطبيق هذه الأيام، وبالتالي مدى التزام مثلث الحكم الكويتي (الأسرة الحاكمة، الحكومة، مجلس الأمة) بروح الدستور قبل نصوصه.إقرار الدستور شكّل نقلة نوعية في الحياة السياسية الكويتية عام 1962، ووضعنا على اول الطريق لحياة ديموقراطية راسخة، كانت الصيغة آنذاك أفضل الممكن في ظل الظروف السياسية الصعبة التي مرت بها البلاد, ولأن التجربة لم تكن ناضجة بالشكل المطلوب، افتقرت بنود الدستور الى نصوص صريحة تكفل تطويره بصورة مستمرة لتحقيق المزيد من المكاسب الديموقراطية,,, رغم وجود المادة 174 (المعقدة التطبيق) التي تجيز تنقيحه.كان يفترض ان يشكل إقرار الدستور والعمل به في اوائل الستينات بداية لنهج جديد في الحياة السياسية لا اعتباره نهاية لمرحلة من التجاذبات فحسب.كان المطلوب ان يرسخ مبادئ الديموقراطية ويسمح بنظام سياسي تتطور عناصره من داخله، لا أن يُحصَر في إطــار الـ «تسوية» التي أرضت شرائح مختلفة,,, و«عفا الله عما مضى».كان يجب أن يؤسس لحالة اجتماعية وسياسية واقتصادية صحية، عبر زرع ركائز المجتمع المدني في كل مكان وإذابة العصبيات القبلية والطائفية، ويجعل الولاء للوطن هو الأصل والتزام المؤسسات هو الأسلوب، لا ان تنتهك هذه المبادئ من الجميع ـ وأولهم الحكومات نفسها ـ وتخرق استثناءات الـ «لا مانع» هرم الإدارة في كل الاتجاهات وتصبح ـ بالعرف ـ قاعدة عامة.وعلينا ان نعترف ان العصبيات القبلية والطائفية تم توظيفها سياسياً، وعلينا ان نعترف ان من وظّفها سعى الى مكاسب آنية وأرباح زهيدة في ظروف معينة، موجهاً طعنة تاريخية للأجيال ومستقبلها, وتكفي الإشارة الى ان الفائزين في انتخابات مجلس 1963 من خلال القبيلة او المذهب لم يشكلوا سوى نسبة ضئيلة منه، وكان يجب ان تتضاءل، الا ان مجلس 1999 تشكّل في غالبيته من نواب وصلوا عن طريق القبيلة او الطائفة او المذهب,,, وهذه الإشارة وحدها تكفي.ولنقل ايضاً، ان مؤسسة الحكم نفسها لم تتمكن خلال العقود الماضية من التأقلم مع روح الدستور، فأصبح اللون السياسي الكويتي رمادياً غير واضح المعالم, فالحكومة لا تملك غالبية برلمانية، والمعارضة داخل البرلمان لا تملك غالبية تتيح لها محاسبة السلطة التنفيذية محاسبة صحيحة، والعلاقات تحت الطاولة وخلف الكواليس بين الطرفين اقوى منها داخل المؤسسات، حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن.لن نغوص مجدداً في تعداد المشاكل، ولا نريد «التنظير» طريقاً لحلها, علينا أن نفكر جذرياً في تفعيل مواد الدستور بإقرار قانونين متلازمين لن تستقيم الكويت من دونهما:1 ـ قانون انتخابي جديد يعيد توزيع الدوائر ويجعل الاستحقاق البرلماني «مصهراً وطنياً» يمنع الطوائف والقبائل من إيصال مرشحيها إلى مجلس الأمة بأصوات العصبيات.2 ـ قانون عصري للأحزاب السياسية واضح المعالم تتشكل من خلاله الأحزاب على مستوى الدولة ويختار المواطن منها ما يقتنع به, والأهم من إقرار هذا القانون إقرار نظام خاص به ينتج برامج متطورة سياسية واقتصادية واجتماعية تستقطب التأييد على أساسها,,, وعلى أساسها فقط.قانون الانتخابات الجديد وإقرار قانون عصري للأحزاب، هما المخرج الذي لا بد منه ليتحول المواطن من الولاء القبلي والطائفي والمصلحي الى الولاء لما يقتنع به من مبادئ وطروحات وأفكار سياسية.وهما المدخل الذي لا بد منه لحياة سياسية كويتية صحية, فمؤسسة الحكم بشقها المتمثل في السلطة التنفيذية، لن يكون أمامها إلا ان تتشكل في غالبيتها من ممثلي الشعب الذين تم اختيارهم على أسس جديدة، والعمل المتواصل لكسب غالبية برلمانية، واحترام وتطبيق القوانين والنظم والمبادئ الأساسية للنهج الديموقراطي.هذا هو المخرج من الأزمةوهذا هو المدخل للحلوما عدا ذلك هو مخرج لأزمة حكومية ومدخل لمزيد من المشاكل والتعقيدات.رئيس التحرير