بـشــارة وإشــارة

تصغير
تكبير
أبلغ ما في اعتقال صدام حسين هو رسالة التحرر التي أرسلها إلى العقل العربي المسكون بهاجس البطولة الوهمية فيما هو مأسور، فعلياً، في دائرة العجز. وها هو الرهان على «القائد الضرورة» يتراجع من الموالاة التقديسية إلى الحيرة والضياع، ومازال كثيرون يرفضون التصديق أن شخصاً مثل صدام هو ديكتاتور بشع أضر بشعبه وجيرانه وأساء إلى العروبة والإسلام وخدم الأميركيين والإسرائيليين وقامر بأرواح الأبرياء ليكون أول الهاربين وأول المذعورين و«العظيم المهيب» الذي فضل الاختباء والاعتقال بعدما ملأ الدنيا ضجيجاً بأنه يموت ولا يختبئ ويستشهد ولا يعتقل. بعيداً من الأثر الذي سيتركه اعتقال صدام على الوضع الداخلي في العراق ومستقبل نقل السلطة، وبعيداً من الانعكاس الإيجابي على مشاركة العراقيين في صنع مستقبلهم بلا خوف أو تردد، وبعيداً من الكابوس المتحلل تدريجياً عن صدر المنطقة، تبقى الرسالة التحريرية للعقل العربي من الدلالات الأبلغ، وهي الرسالة التي يجب أن تصلنا عبر نموذج صدام لا عبر النموذج الأميركي، وعبر تجربتنا كعرب مع الحكم المتسلط لا عبر انتظار الوصفات الجاهزة من الخارج. آن الأوان لصحوة في العقل السياسي العربي تخرجه من دائرتين: إما الخضوع ( طوعاً أو جهلاً أو قسراً ) لمنطق القائد الذي يختزل في شخصه الأمة بشعبها ومؤسساتها، وإما الرهان على «الخارج» لتغيير الواقع والدخول، تالياً، في فوضى النتائج التي أحدثها. فالعراقيون والعرب والمسلمون ليسوا بحاجة إلى «قائد» آخر وتجربة أخرى ومقابر جماعية متجددة وانهيارات متلاحقة على كل الأصعدة، للتفكير قبل التصفيق، والتحليل قبل التسليم، والنظر إلى التطورات بعين واقعية لا تحجبها صورة «الزعيم» أو كدمة رجل المخابرات. والعراقيون والعرب والمسلمون، ليسوا بحاجة أيضاً إلى تمادي «الآخر» في اختراع قوانين خاصة به للمحاسبة والتأديب ولعب دور «المخلص العالمي»، فيطلق لسياسته المتخبطة العنان ويتعامل مع المظلومين والمقهورين والمحتاجين وطالبي السلام والاستقرار على أنهم جزء من تجارب نظرياته الجديدة للتطور والديموقراطية ومكافحة الإرهاب. اعتقال صدام بشارة قوية للعقل العربي وإشارة أقوى للأميركيين بأن يسرعوا في نقل السلطة إلى العراقيين أصحاب الأرض والمصلحة والمستقبل. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي