حــرب علـى التجــار ... والآتـي أعـظـم

تصغير
تكبير
ويسألونك لماذا الكويت في اسفل الدرك الاقتصادي مقارنة بدول المنطقة... وليتهم يدققون ولا يسألون! يحارون في تفسير ظاهرة هروب الرساميل والاستثمارات ويتوقفون عند احجام الكويتيين قبل العرب والاجانب عن الاقدام على توظيف اموالهم في مشاريع عملاقة تضاعف فرص العمل وتنعش الاقتصاد وتعيد الريادة الغائبة الى بلد حائر... والكلمة السر لتبديد الحيرة صارت معروفة: الحرب على التجار. كل تاجر كويتي او رجل اعمال كويتي صار سارقا حتى يثبت العكس. كل مبادر او «مغامر» ومخاطر بأمواله عليه قبل ان يقدم مشروعه ان يستعد للدفاع عن سمعته ومواجهة التشهير به وبكرامته وكرامة اسرته حتى ولو لم ترافق مشروعه الشوائب... وكل شركة خارجية او مجموعة ممولين او مستثمرين ارادوا خوض التجربة في الكويت توقفت طموحاتهم عند حدود معينة وانسحبوا وهم يسمعون سجالات عاصفة عن «بيع البلد» و«الخروج على الثوابت» و«تنفيع طبقات معينة». ... ثم يسألون لماذا الكويت في اسفل الدرك الاقتصادي؟ ولماذا تهاجر اموال الكويتيين وافكارهم الى الخارج؟ ولماذا تهرب الاستثمارات والمشاريع الخارجية؟ يسألون وكأنهم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته. طبعا سنسمع المعزوفة المكررة: القانون، المال العام، الثوابت، حرمة البلد، الدستور. وكأن الذي «يعزف» يعتبر نفسه المؤتمن الوحيد على القانون وبقية اهل الكويت مجموعة من قطاع الطرق المارقين المتجاوزين، او كأن الذي «يعزف» كامرأة القيصر فوق الشبهات، ومع ذلك لا بد من تذكير (اذا كان ما زال ينفع) بأن القوانين والتشريعات في الانظمة المتطورة ديموقراطيا وضعت لحماية الاقتصاد الحر لا للتضييق عليه، وان من مصلحة الطبقة التجارية الفاعلة والملتزمة التقيد بالقوانين وبرقابة السلطات التشريعية لان ذلك يحمي عملها ويعطيه ضمانة الامان، بل ان التقيد الصارم بالقوانين والتشريعات ينهي «الحالات التجارية الطفيلية» القائمة على الاستفادة من السلطة دعما وتسهيلات او يجعلها في اضعف الاحوال على هامش حركة السوق... يعرفون ذلك كله ويعزفون. تاريخيا، نشأنا على ان الكويت مجتمع مثلث الاضلاع: «حكام وتجار واهل بحر وبر». لم يكن هناك دستور ولا مؤسسات رقابية ولا هيئات ادارية لكن الكل كان يعرف دوره ومسؤولياته وحقوقه وواجباته من دون ان يعني ذلك غياب التجاوزات ومن مختلف مكونات اضلاع المثلث، لكن التجاوزات كانت الاستثناء لا القاعدة. تلك العلاقة اضافة الى الصيغة والرؤية والانفتاح اعطت الكويت ريادتها لسنين طويلة وكونت سمعتها... وما زلنا منذ عقود نغرف من هذا الرصيد سلبا وايجابا. قبل السؤال عن السبب علينا البحث عن المسؤول، والمسؤول كيان مربع الاضلاع. أعضاء في مجلس الأمة اضاعوا مشيتهم الاصلية ولم يعد في مقدورهم السير بطريقة جديدة وكل ما فعلوه هو انهم اعاقوا مسيرة تجار ومسار دولة. اعضاء رفعوا الخلافات الشخصية وعقد الانتقام والمصالح الخاصة الى مرتبة الاولوية، فصارت محاربة المشاريع اهم من الدفاع عن التشريع، وصار التشهير والشتم واهانة الكرامات والاستغابة اهم من الرقابة، وصارت دورة القبيلة والمنطقة والطائفة اهم من دورة المال والاقتصاد والاستثمار... وبعض النافخين في الابواق من اعضاء المجلس مخالفاتهم هم «لا تشيلها البعارين»، ونظرة واحدة الى ملفات التجاوزات التي يحكى عنها اليوم تكشف شراكتهم فيها بالغالبية، من العلاج في الخارج الى تمرير المعاملات على قاعدة الولاءات، مرورا بـ «الفلسفة» العظيمة لمعايير الاستجوابات والدفاع عن الوزراء، فهذا يستجوب لانه ضايق موظفين محسوبين على هذه المنطقة او القبيلة وذاك يدافع لان الوزير «ابن المنطقة او القبيلة»... والامثلة تحتاج مجلدات. وثاني اضلاع المربع بلا فخر... الحكومة، فقد رفعت شعارات الاستمالة والاستيعاب وتسويات الغرف المغلقة لشراء الصوت النيابي من دون ان تدري انها سارت عمليا وبقدميها الى منطقة «الإرهاب النيابي»، فصارت مراضاة هذا النائب او ذاك التكتل اهم من موالاة البلد وسمعة البلد. ومن الطبيعي وهذه فلسفة الحكومة (كل حكومة في العقدين الماضيين) ان يضيع التضامن الوزاري ويصبح حال كل وزير: يا ربي نفسي. فينشغل «معاليه» بتوقيع المعاملات لنائب معارض، ولآخر صوته عال، ولثالث يفيد في التأثير على اصوات التكتل، وينشغل «معاليه» (بالتزامن) في الحفر والتآمر على «معالي» آخر عسى ان يصيبه «ذل السؤال» والاستجواب... ونظرة سريعة ايضا الى ملفات المعاملات التي مررها اكثر من وزير لاكثر من «نائب معارض» ولغير مستحقيها تعطينا الاجابة الشافية خصوصا اذا كان النائب المذكور في عز الحرب على وزير آخر. ونظرة اسرع للجنة التي شكلها اخيرا وزير آخر وتضم خمسة من اشقاء واقرباء نواب في تكتل «معارض» تعطينا اجابة اخرى... والأمثلة أيضاً وأيضاً تحتاج مجلدات. وثالث اضلاع المربع اصحاب العلاقة والمصلحة، اي التجار ممثلين بغرفة التجارة التي احجمت عن التصدي والهجوم حرصا على النأي باعضائها عن الصراع المتعدد الاوجه الذي شهدته الكويت في العامين الماضيين، لكن هذا الحرص لم يرد الاذى والظلم عن كثيرين فخسرنا الصوت العالي ولم نربح الانصاف. ورابع اضلاع المربع بعض ابناء الاسرة من منظرين وذوي مصالح خاصة، وهؤلاء تعاملوا بنظرة ضيقة مع الامور، زادتها ضيقا نصائح «المستشارين» من جهة و«الطموحات الكبيرة» من جهة اخرى. وهؤلاء ايضا كرسوا جهدهم لتصفية حسابات مع اقربائهم ومسايرة عدد من النواب على حساب البلد وسمعتها الاقتصادية. ويسألونك عن الحل؟ باختصار، النواب لن يغيروا اسلوبهم ولا منطقهم، والحكومة لن يتغير نهجها اذا تغيرت لان النهج واحد. المطلوب كثير اوله تصعيد من غرفة التجارة يعيد للتجار وزنهم في المعادلة، وثانيه وقفة مختلفة من الوزراء وهم الادوات الدستورية التي يحكم من خلالها سمو الامير، وقفة مراجعة ومصارحة مع انفسهم ثم مع اهل الكويت بكل المعوقات امام حركة البناء الاقتصادي والاستثماري مع التمسك دائما بدولة القانون والمؤسسات، فالانسحاب من كرسي لمصلحة بلد ومجتمع اشرف ألف مرة من التمسك به والقبول بشهادة زور ضد مستقبل الكويتيين. ما لم تحصل هذه المقدمة التغييرية فليس على التجار الشرفاء المغادرين الى بلاد جديدة واستثمارات آمنة... حرج. ولكن لنتذكر دائماً أن المثلث لا يستقيم إلا... بكامل أضلاعه.  جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي