أين يفشل صباح الأحمد...


من دون مقدمات ومباشرة في صلب الموضوع، لم يعد سراً أن منح المرأة حقها في الترشح والانتخاب لمجلسي البلدي والأمة تحول من مطلب إلى ضرورة إلى رغبة إلى مشروع قانون إلى معركة دارت على هوامشها معارك أخرى تتعلق بشؤون البلاد والعباد، واستخدمت فيها أسلحة الرواتب والدوائر والتأمينات والفواتير وحقول الشمال، وغيرها من الأمور التي كان يجب أن تبقى بمنأى عن دائرة الصراع بين الحزبين الكبيرين في الكويت، المجلس والحكومة... والكلام في ذلك يطول لكنه ليس موضوعنا اليوم.
ولم يعد سراً أن تكتيك بعض النواب لإسقاط مشروع مشاركة المرأة في البلدي تم تفسيره على نطاق واسع في الكويت، بأنه فشل للحكومة ولرئيسها سمو الشيخ صباح الأحمد، ثم انتقلت هذه التفسيرات، وغالبها مبرمج، إلى الحديث أيضا، وربطا، عن فشل مجموعة من مستشاري ومعاوني الشيخ صباح، والأمر هنا يحتاج إلى وقفة جدية، ليس دفاعاً عن أحد وإنما كي لاتختلط الأمور على أحد بسبب الصخب الإعلامي والأصوات الصادحة في البرلمان، أو ندوات ما بعد صلاة العشاء، أو تسريبات بعض الوزراء قبل صلاة العصر.
تحدد المادة السادسة من الدستور أن الأمة مجتمعة هي مصدر السلطات في الكويت، وتنص على الآتي: «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، والسيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور».
أي أن المشرع، ومنعا لطغيان سلطة على أخرى، نص على توازن يأخذ في الاعتبار ما أمكن المكونات الشاملة للمجتمع السياسي، انطلاقاً من مبدأ الاختيار الفردي الحر، وجعل هذا التوازن في صلب عملية التقرير. بمعنى آخر ينتخب الكويتيون ممثليهم إلى مجلس الأمة، وتشترك الحكومة في عضوية هذا المجلس، ويأخذان معاً القرارات لمصلحة الأمة، على ألا يتعارض ما يتقرر مع القانون وسلطة القضاء، ناهيك طبعاً عن سلطات صاحب السمو الامير.
أما ترجمة ذلك عملياً فتعني أن الحكومة عندما تقدم مشروعاً يتعلق بحقوق المرأة السياسية أو بمستواه، فإنها تترك أمر تقريره للأمة مجتمعة، فهو ليس مشروعها الخاص وإنما مشروع للكويت، وهو أيضاً ليس سلاحاً حكومياً في معركة كي يقال إن الحكومة خسرت لأن سلاحها لم يكن فاعلاً، هو قضية عامة تهم الكويت، كل الكويت، بغض النظر عن تفاوت الآراء حولها، وما على الحكومة إلا أن تحمل هذه القضية بالشكل الصحيح إلى ممثلي الأمة، وتترك الأمر لهم.
كل اجتهاد تبذله الحكومة في هذا المجال لضمان تمريره يحسب لها وليس عليها...
وكل جهد يمارسه الوزراء أو المستشارون أو المعاونون مع أعضاء المجلس لإقناعهم بجدواه في عملية التطوير السياسي والاجتماعي هو جهد مشكور وليس مشبوها...
وحتى المناورات السياسية،التي لا تدخل في باب الصفقات الخاصة ولا ترهن أمور الناس وتعطلها، هي مناورات مبررة عندنا وفي أعرق الديموقراطيات...
أكثر من ذلك، فالتضامن الوزاري في قضية خلافية بهذا الحجم يجب ألا يكون إلزامياً طالما تفاوتت القناعات، فالوزير جزء من النسيج الفكري والاجتماعي ومن الصعب أن يخلع ثوبه الذي ارتداه طويلا لضرورات المنصب...
وما يحصل، أن مجلس الأمة يرفض هذا المشروع أو ذاك بسبب قناعات نواب واعتقادهم بأن المصلحة العامة تقتضي عدم تمريره...
أو بسبب شخصانية بعض النواب أو سعيهم لربط صفقات أخرى بالموافقة...
أو نتيجة ثارات معينة وتصفية حسابات ووجود عقد ومصالح شخصية...
أو كرها بالتطوير وكرها بالحكومة نفسها...
تتعدد الأسباب والنتائج واحدة، فهذا قاعدته الانتخابية ترفض فعلاً الحقوق السياسية للمرأة، واشترطت عليه قبل الانتخابات الأخيرة أن يصوت ضد، وذاك يصوت في المداولة الأولى مع والثانية ضد، وثالث لا يعتبر المرأة في «البلدي» ولاية عامة ويعتبرها في البرلمان كذلك، ورابع يجادل في ان الدول الإسلامية أدخلت المرأة إلى برلماناتها كجزء من الشراكة في الولاية العامة إنما بضوابط شرعية، وخامس يؤمن بالليبرالية حتى العظم، لكنه يصوت ضد حقوق المرأة خوفاً من ازدياد أعداد ممثلي التيار الإسلامي في البرلمان...
هذه هي الديموقراطية التي توافقنا عليها، وهذا هو النظام الذي بنيناه وافتخرنا به، وكان حتى وقت قريب منارة للمنطقة وقدوة لأهلها قبل أن يسبقنا كثيرون. وحسب الحكومة، وعلى رأسها الشيخ صباح، أنها جهدت وجاهدت من أجل تمرير مشروع القانون، فإذا رفض النواب فإن محاسبتهم تأتي من ناخبيهم وليس من أي سلطة أخرى، فممثلو الأمة يحاسبهم النظام الديموقراطي نفسه من خلال آلية الانتخاب وقناعات الناخبين. وحسب الشيخ صباح أنه يرتضي بالنتيجة مهما عاكست موقفه، وفي ذلك انتصار للديموقراطية ورعاتها، وانتصار لدولة المؤسسات.
بهذا المعنى، ينجح الشيخ صباح ولا يفشل، ويفشل حين يرفض الاحتكام إلى الأمة، وبهذا المعنى أيضا تطرح أكثر من علامة استفهام حول توقيت حملة الجوقة الصادحة بفشل الحكومة وحجم التناسق بين عناصرها، خصوصا عندما تنطلق هذه الحملة مع كل إقرار من الشيخ بحكم الديموقراطية، سواء تعلق الأمر بتعثر تمرير مشروع قانون أو باستجواب وزير والاتجاه إلى نزع الثقة عنه، وكأننا ببعض ممثلي الأمة وبعض الوزراء يريدون الدفع بالأمور إلى اتجاهات أخرى تأخذ من سمعة نظامنا الديموقراطي ولا تعطيه.
في هذه القضية ـ تحديداً ـ نجح الشيخ صباح في التزامه الحكم الديموقراطي، ونحن هنا لا ندافع بالمطلق عن سلوكيات الحكومة، فرئيسها يعترف قبل الآخرين بأن أخطاءها لا تحملها البعارين... نتحدث فقط عن جزئية قضية حقوق المرأة السياسية والجوقة التي تعزف لحناً نشازاً بعد كل مناقشة عن فشل رئيس الحكومة وفشل الحكومة. نجح الشيخ صباح ونريده أن يبقى دائماً في دائرة حماية النظام الديموقراطي، فلا تستفزه حملة أو تهزه مواجهة، لأن المشاريع المنسجمة مع روح العصر سترى النور عاجلاً أم آجلاً، ورافضوها لأسباب متعددة لا بد أن ينسجموا يوماً مع ضرورات المصلحة العامة، مع التقدير الكامل لوجهة نظر بعضهم وقناعاتهم. وقد يكون أحد أخطاء الحكومات المتعاقبة أنها سهلت وشجعت ظاهرة نواب المعاملات بحيث لم تعد القناعات وحدها تحكم اختيار الناخب بل «خدماته» من كيس الحكومة... فهل ينجح الشيخ صباح أيضا في تصحيح هذا الخطأ التاريخي ويعيد لتمثيل الأمة الاحترام والقناعات والخيارات والإرادات الصحيحة؟ وهل يستطيع ممثلو الأمة التوافق على نظام عصري عادل يمكِّن الناخب من اختيار النائب على أساس الكفاءة والبرامج وليس البراعة في تمرير المعاملات؟
...وهذا ايضاً أمر آخر يطول بحثه!
جاسم بودي