نهار وظلام


أي فجيعة أصعب على الإعلامي ان يرى زميلا له يقضي في ساحات الكلمة دافعا ثمن... حبره، واي مصيبة اعظم من مواجهة الكلمة بهذا الحجم من الاجرام وكأن الفاعلين باتوا عاجزين فعلا عن الحياة خارج مدارات الشر.
جبران تويني، زميل وعزيز ورفيق درب ، يشبه «النهار» في رسالتها... رسالة الحق والحقيقة والحريات ومساحات الحوار والتلاقي، رسالة الإنسان وحقوقه في التعبير بأي لغة ووسيلة تحت سقف المبادئ والرقي والمسؤولية وآداب المخاطبة، ومن هنا كان عليه ان يدفع الثمن مرتين: مرة لأنه عبد طريقا صلبة لتمرير الرسالة ومرة لأنه قاد بنفسه مشروع المواجهة مع اعداء هذه الرسالة فقضى مستشهدا في محرابها.
جبران تويني لم يكن مصدر قلق لاعدائه في الشأن اللبناني فقط، كان ثابتا على رؤاه في كل الشؤون والقضايا، ومَنْ مِن الكويتيين ينسى مواقفه المؤيدة للحق الكويتي في كل المحافل؟ من يستطيع ان يتجاهل انحيازه الدائم لحقوق الدول الصغيرة في التعبير عن سيادتها وحماية تجاربها الديموقراطية من مخططات الانظمة الشمولية الخائفة من عدوى الحرية؟ من يغمض عينيه عن دفاعه المستمر عن الكويت يوم اشترى اعلام الحزب الحاكم الكثير من الاصوات الناعقة وحرك بعض الغوغاء في شوارع العواصم... يومها سار جبران بعكس التيار المرحلي الطاغي آنذاك وواجه بالكلمة - ودائما بالكلمة - جيشا جرارا من المطبلين والمهللين والمستفيدين والمزيفين والمهددين وانتصر عليهم وانتصر المنطق والحق مع امثاله وبأمثاله.
من كثرة المآسي التي باتت ترسم حدود لبنان، صارت الكتابة عن اعزاء سقطوا وزملاء غيبتهم يد الاجرام اشبه بدمعة حارقة تنساب لا اراديا عليهم وعلى لبنان، صار الشهداء هم المقالة وصرنا احرفا في متنها... صاروا افتتاحية الزمن الحر القادم لا محالة.
رحم الله جبران تويني، وألهم اهله واصحابه ورفاقه وزملاءه واللبنانيين القوة على مواجهة الطغيان، ومنح والده، استاذنا الكبير غسان، القدرة الدائمة على تجاوز المحن والآلام فـ «النهار» نهار وهو اشراقة الحياة، والظلام ظلم وهو الشر المستطير... والصبح قريب.
جاسم بودي