«حالة» المستقبل بين العراق والكويت

تصغير
تكبير
ترنحت «الحالة» الكويتية ـ العراقية,,, بلغت مداها بين الدوحة وعمّان، ثم أسقطها النظام العراقي، أمام النظام العربي، بالضربة القاضية. لكن «حالة» أخرى لم تترنح أو تسقط، وتطرح نفسها بقوة أكبر كل يوم, هي «حالة» المستقبل بين الكويتيين والعراقيين التي تلاشى صوتها أمام صوت الإعلام العراقي الصاخب، وتوارت ـ كقضية إنسانية حضارية ـ خلف واجهة الخطاب السياسي البعثي. هل هناك مستقبل لهذه الـ «حالة»؟ الجواب: نعم، بل لا خيار إلا هي، ولا طريق إلا طريقها. اليوم، وبعدما خف وهج «المزايدات العربية» قليلاً، واتضح أن الكويت هي الدولة الأكثر اهتماماً بـ «الهم العراقي» والمعنية به لظروف الجوار والتاريخ والمصلحة والترابط الاجتماعي,,, نقول اننا يجب ان نؤسس لعلاقة مستقبلية مع العراق قائمة على جملة عناصر. همنا الأول، ان يبقى العراق موحدا، فلا يوجد عربي واحد يريد مصنعاً جديداً لدويلات طائفية ومذهبية قابلة للتصدير، ولا أحد معصوم من نار التفرقة, فعراق مقسم ثلاث او اربع دويلات بدعم غربي ـ وربما شرقي ـ لن يعطينا ـ ككويتيين ـ أي ضمانة لأن النتيجة مرة أخرى ستكون انهاء الأمل بقيام مؤسسات ديموقراطية عمادها قيم المجتمع المدني، مهما كانت هوية الدويلة التي ستقوم في شمال الكويت. ,,, وعراق محكوم من الرئيس صدام حسين ومجلس قيادة «ثورته» لن يعطينا ـ ككويتيين ـ (وربما كعرب) ضمانة للمستقبل، والشواهد واضحة: حروب وتدخلات، من إيران وسورية ولبنان ومصر,,, حتى الكويت. ,,, وعراق محكوم من صدام في مواجهة قوى أجنبية تشارك في حماية المنطقة منه، لن يعطينا ايضا ـ ككويتيين ـ ضمانة للمستقبل, فمصالح الدول الكبرى أكبر من مبادئها، والشواهد واضحة، من المحمرة أواخر السبعينات الى حلبجة في الثمانينات الى البصرة في التسعينات، فما حصل حصل تحت سمع الغرب وبصره,,, بل وبسلاحه. ,,, وعراق محكوم بأخطاء التاريخ وكراهية للجوار وظروف اجتماعية قاسية واقتصادية متدهورة وسياسية منعدمة,,, لن يعطينا ضمانة ـ ككويتيين ـ حتى لو لم يعد صدام في السلطة, والشواهد واضحة، من عبدالكريم قاسم عام 1961 مروراً بأحمد حسن البكر عام 1973 وانتهاء بصدام 1990. ولا نريد زرع أحقاد اليوم لنحصد حروبا غداً. النظام العراقي حاصر العراقيين واستدرج حروباً وحصارات، وهو اليوم يفتح حرباً على مستقبل العلاقات بعدما دمّر حاضرها, يفتحها بزرع الاحقاد يومياً وايهام شعبه عبر الآلة الحزبية الضخمة (التي لا آلة سواها) بأن كل معاناته سببها الكويت, ويعطي وزير الخارجية السيد محمد سعيد الصحاف البعد الحقيقي لهذه الحرب الاعلامية بقوله: «لن نجعل الكويتيين ينامون براحة لا هم ولا أجيالهم ولا أجيال أجيالهم» ويحذر من جيل عراقي جديد «سيبيد الكويتيين عن بكرة أبيهم». ضمانة الكويت الوحيدة لمستقبل آمن هي في عراق حرّ موّحد تحكـــــمه للمرة الأولـــــى مــــنذ عقود سلطـــة سياسية انسانية عاقـــلة تراعي انها أتــــت لتخدم لا لتُخدم، وتدين بالفضل لمن أوصلها بالاسلوب الديموقراطي ولا تصادر بالحـــزب والجيش والحـرس الجمهوري وأجهزة الاستخبارات آمال 22 مليوناً في العيش بحرية وكرامة. نظام ديموقراطي في العراق، أو نظام انتقالي يمهّد لمرحلة الديموقراطية ويؤسس لتعددية حقيقية ورأي عام له اعتباره وأجهزة رقابة ومحاسبة ضمن مجتمع مدني تساهم قيمه في اثراء عملية تنمية متوازنة وتوزيع الثروات بعدل,,, هذا العراق وحده يضمن مستقبلا آمناً مع كل دول الجوار لا مع الكويت وحسب. وحتى نمارس الواقعية بدل الاكتفاء بطلبها من الآخرين، نقول ان من ضمانات استقرار العلاقات مستقبلا، مساهمة كبيرة كويتية وخليجية في اشراك العراق في عمليات تنموية ضخمة، كأن يكون شريكاً أساسياً في منظومات صناعية وخدماتية عملاقة, فهو الغني بامكاناته وطاقاته وثرواته الطبيعية، ولا بد منه كممر استراتيجي الى جمهوريات الشمال الآسيوي, ولا بد ان تنعكس هذه المشاريع الكبيرة، ضمن شراكة حضارية بين دول المنطقة، على التنمية الداخلية وعلى مستوى معيـشة الفـرد العراقي. لا يمكنك ان ترتاح وجارك جائع, وعلى رغم ان العراق هو الأغنى بالموارد بين دول المنطقة، الا ان النظام حاصر شعبه وأقنعه بأن الآخرين سبب جوعه, لذلك نستثمر ـ عبر المشاريع المشتركة ـ في العلاقة المستقبلية ايضا، والاستقرار في حد ذاته اساس الاستثمار والتنمية والتطور لنا قبل غيرنا. ومن مصلحة الكويت المشاركة في حملة دولية وعربية لدعم مطالب الانسان العراقي في العيش بكرامة, ولا نقصد هنا على الاطلاق لعبة الموالاة والمعارضة، بل دعم عملية تأهيل انسانية كبرى هدفها الحفاظ على الأرض والثروات الطبيعية والبشرية والمادية بعدما فرّط بها نظام لا يرى الانتصار الا في بقائه والهزيمة الا في رحيله, وليكن هناك بحث جدي في «مشروع مارشال» خليجي ـ دولي يعيد التوازن الى الوضع الاقتصادي العراقي، ولو في حدوده الدنيا، تمهيداً لمشاريع الشراكة المستقبلية، فذلك أجدى للعراقيين ومستقبلهم من «المشاريع المرتجلة والمسيّسة» الحالية التي يقدمها النظام «هدية» الى هذه الدولة أو تلك. نريد عملية تأهيل تزيل آثار ما دمره النظام وتلغي الرواسب النفسية التي زرعها على مدى عقود. نريد ربح معركة المستقبل مع العراق بعدما انهزم في معاركه الحالية والسابقة,,, وهزم الكثيرين معه. نريد ذلك، لأننا نقلق لرؤية أشقائنا العراقيين وأجيالهم وأجيال أجيالهم يعيشون بقلق وينامون بقلق. نريد ذلك، حتى لو أراد النظام العراقي الحالي ألا ينام الكويتيون ولا أجيال أجيالهم براحة، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن حجب الأمان عن أهل بيته لن يعطيه لآخرين. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي